
عجيب ما يحدث في سوق السيارات المستعملة بالجزائر، إذ انقلبت حالها من غلاء فاحش إلى انخفاض معتبر في الأسعار، نهاية الأسبوع الماضي، ما ينبئ بمسلسل انزلاقات متواصل في سعرها بقادم الأسابيع.
توفيق أقنيني
وخيم الركود على سوق السيارات المستعملة في الجزائر، مع توالي استيراد السيارات الجديدة من طرف 4 وكلاء معتمدين، وكذا منح الاعتماد لـ38 وكيل لاستيراد وبيع السيارات، وكل هذا بأسعار تنافسية تبدأ بأقل من 200 مليون سنتيم لعلامتين صينيتين، إضافة إلى تزايد كمية السيارات أقل من 3 سنوات التي تدخل البلاد.
السوق يستبق توقعات الخبراء
وكان الخبراء قد توقعوا قبل أيام، حدوث ركود في سوق السيارات المستعملة بالجزائر، بفعل المتغيرات الاقتصادية التي طرأت على السوق، محددين بداية سنة 2024 موعدا لذلك، كما أشاروا إلى أن هذا الركود سينتج عنه بطبيعة الحال انخفاض معتبر في الأسعار ثم انهيار مع نهاية سنة 2024.
لكن سوق السيارات المستعملة في الجزائر لم ينتظر آجال توقعات الخبراء ودخل في ركوده وانخفاض الأسعار فيه مبكرا، قبل بداية سنة 2024 وحتى قبل شروع مصنع فيات في الإنتاج بالجزائر.
ركود من نوع آخر
وعرف سوق السيارات المستعملة في الجزائر ركودا بين الحين والآخر، منذ نهاية سنة 2021، لكن الركود آنذاك كان بسبب ارتفاع أسعار المركبات فوق القدرة الشرائية لغالبية المواطنين، وسط غياب شبه كلي للسيارات الجديدة بسبب توقف نشاط استيرادها، قبل أن يتم فتح باب الاستيراد للمواطنين فقط، وكذا الترخيص لاستيراد السيارات أقل من 3 سنوات.
أما الركود الحاصل اليوم في سوق السيارات المستعملة بالجزائر، فهو راجع إلى تفضيل المستهلك الجزائري لاقتناء سيارة جديدة ترقيم 2024 و2023 بأسعار بين 200 مليون و350 مليون سنتيم، على اقتناء المستعملة.
ولم يشفع انخفاض الأسعار إلى دون 200 مليون سنتيم في سوق السيارات المستعملة، لسماسرة المركبات من أجل تسويقها، وباتت السيارات بترقيم أقل من 2015 دون سعر 150 مليون سنتيم تراوح مكانها دون زبائن.
الأسعار بأوروبا انهارت وعلينا مراقبة احتساب الدولار بقيمته
وأفاد الخبير الاقتصادي نبيل جمعة، بأن: “الواقع الذي بات عليه سوق السيارات المستعملة في الجزائر كان متوقعا، الركود ساد السوق وقلَّ البيع والشراء، لأن الناس تنتظر دخول السيارات الجديدة مع منح اعتماد استيراد السيارات الجديدة لـ38 وكيل، وباشر بعضهم الاستيراد فعلا”.
وأضاف في تصريح لجريدة “المصدر” بأن: “أسعار السيارات في الأسواق الأوروبية، وهي مورد كبير للجزائر بالمركبات، قد انخفضت بنسبة 30 إلى 35 بالمائة، على غرار السوق الألمانية والبجيكية والفرنسية الذي انخفض السعر الأدنى فيها إلى 12 ألف أورو لأرخص سيارة من 19 ألف أورو سابقا، وكذلك الشأن بالنسبة لسوق السيارات الصينية في الإمارات انخفضت بـ30 بالمائة”.
وتابع محدثنا بأنه: “طبقا لذلك، فإن أسعار السيارات المستعملة في الأسواق الأسبوعية الجزائرية انخفضت بـ50 بالمائة، فالسيارة التي كان سعرها 400 مليون سنتيم أصبح سعرها 200 مليون، نهاية الأسبوع الماضي”.
وأشار جمعة إلى أن: “هناك جدل حول قيمة العملة الصعبة التي يُحتسَبُ على أساسها سعر السيارة الجديدة من الوكلاء المعتمدين، بين سعر البنك الذي يُموَّل به الوكلاء في نشاطهم التجاري المقدّر بـ136 دينار، وبين سعر السوق السوداء الذي يتجاوز 200 دينار”.
وأردف يقول بأنه: “حسب دراسة قمنا بها، فإن سعر سيارة جديدة في السوق الإماراتي والسعودي أقل من سعرها المعلن في الجزائر بـ100 مليون سنتيم، وطرحت سؤالا حول هذه النقطة لوكيل علامة سيارات معتمدة بالجزائر، وهاته الملاحظة أبرزها وزير الصناعة لوكيل سيارات معتمدة بالجزائر، أين شدد حينها بأن السعر المعلن مرتفع”.
ودعا الخبير الاقتصادي ذاته إلى “صرامة أكبر في دفتر الشروط وتطبيقه، إضافة إلى جهود رقابية من البنك المركزي ووزارة الصناعة حول سعر السيارة الجديدة بقيمة الصرف الحقيقية، لتقل أسعار السيارات الجديدة أكثر، فسيارة قيمتها النهائية 200 مليون سيصبح سعرها أقل من 150 مليون سنتيم”.
واستطرد يقول بأنه: “يجب إجراء محاسبة تحليلية لسعر السيارات الجديدة وفق قيمة صرف الدولار من البنك، لاسيما وأن الحكومة شددت على أن القدرة الشرائية للمواطن خط أحمر، وكذلك الشأن بالنسبة لقطع غيار السيارات التي زادت في الجزائر دون الأسواق الدولية”.
عقلانية المستهلك يعيد سلوك الأزمة الاقتصادية العالمية
من جهته، قال الخبير الاقتصادي خالد قاشي بأن: “المستهلك عقلاني في سلوكه، ويبدو أنه اقتنع بأن زيادة في انخفاض أسعار السيارات ستحدث في الفترة القادمة، ما جعله يتخذ قرار إحجام عن شراء السيارات بصفة عامة في الوقت الحالي، بما فيها السيارات المستعملة، والركود في سوق السيارات المستعملة يشبه الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 1926، والتي حدثت بسبب تأمل المستهلكين آنذاك بانخفاض أكبر لمستوى الأسعار، ما جعلهم لا يتخذون قرار شراء لحظي، بل يؤخرونه إلى فترات مستقبلية لاحقة”.
وأضاف في تصريح لجريدة “المصدر” بأنه: “لا نقول انخفاض الأسعار بل استقرار أسعارها بعد ارتفاع جنوني في بورصة السيارات المستعملة بالجزائر، وهذا الارتفاع كان معبّرا في الحقيقة عن المضاربة والجشع، إضافة إلى النقص الكبير في العرض”.
وتابع محدثنا بأن: “القرارات العقلانية للمستهلك بفعل المعلومات التي يستقيها عن السوق، ستبقي أسعار السيارات الجديدة الشائعة الاستعمال بالبلاد بين 200 و250 مليون سنتيم”.