
رحب عارفون بالشأن الطاقوي، بمضمون إعلان الجزائر، الذي توج أشغال القمة السابعة لمنتدى رؤساء وحكومات الدول المصدرة للغاز، بالعاصمة الجزائر، حيث رأوا فيه حجر الأساس لترقية الغاز الطبيعي واستخدامه بشكل أوسع، مع تسخيره لمكافحة الفقر الطاقوي وتحقيق الإنتقال الطاقوي السلس والمرن، بعيدا عن القيود الغربية التي تقوض صناعة هذا المورد الهام. كما رأى ذات الخبراء أن الإعلان يعد مرتكزا لتجسيد السيادة المطلقة والدائمة للدول الأعضاء على مواردها من الغاز الطبيعي، ومستبشرين بمستقبل هذه الصناعة خاصة بعد تدشين معهد أبحاث الغاز التابع للمنتدى بالعاصمة.
حسان بوزنون
و اختتمت أعمال التي جرت مابين 29 فيفري و 2 مارس في الجزائر، بتبني دول المنتدى الإعلان الذي تضمن عدداً من البنود الأساسية، حيث سلط الضوء على الأهمية الاستراتيجية للغاز الطبيعي في تأمين مستقبل الطاقة بطريقة آمنة ومستدامة، مؤكدا التزام الدول الأعضاء بحقوقها السيادية على مواردها الطبيعية، مع التركيز على الدور المحوري لمنتدى الدول المصدرة للغاز في تعزيز الأمن والعدالة واستدامة الطاقة على مستوى العالم.
و أكد البيان الختامي رفض أي “تدخلات مصطنعة في أسواق الغاز الطبيعي”، بما فيها محاولات التأثير على آليات وضع الأسعار ووظائف إدارة المخاطر في الأسواق، إلى جانب تسقيف الأسعار بدوافع سياسية، وهو ما يؤدي إلى تفاقم التضييق على الأسواق وتثبيط الاستثمارات اللازمة لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة، وفق نص البيان.
كما رفض كذلك التطبيق أحادي الجانب للإجراءات والتدابير الجبائية غير المسبوقة والمبررة تحت طائلة ضمان أمن الإمدادات بالطاقة بالنسبة للبعض، على حساب قواعد أسواق الغاز الطبيعي، مما قد يهدد باستفحال اختلال التوازنات على حساب الشعوب التي تعيش أوضاعا هشة.
وشدّد البيان الختامي على الأهمية البالغة لضمان الطلب على الغاز الطبيعي ووضع أطر قانونية وتنظيمية شفافة وغير تمييزية، إلى جانب سياسات طاقوية وتجارية وجبائية وبيئية يمكن التنبؤ بها لدى الدول المستوردة للغاز ودول العبور.
ودانت القمة “جميع القيود الاقتصادية أحادية الجانب المتخذة دون الموافقة المسبقة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ولأي تطبيق للقوانين والتنظيمات الوطنية خارج الحدود ضد الدول الأعضاء في منتدى الدول المصدرة للغاز والتي تؤثر سلبا على تطوير الغاز الطبيعي و تجارته و تشكل تهديدا على أمن الإمدادات بالغاز الطبيعي “.
وعبر الرؤساء عن قلقهم إزاء التذبذبات المتكررة في الطلب على الغاز الطبيعي و التي تؤثر سلبا على الأداء الاقتصادي العالمي، كما رحبوا بانضمام موزمبيق وموريتانيا والسنغال إلى المنتدى، مؤكدين بذلك السعي الجماعي لمنتدى الدول المصدرة للغاز إلى تعزيز التعاون و الحوار في مجال الطاقة.
وأخيرا، عبر المشاركون في القمة عن تقديرهم لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، على “قيادته الحكيمة للقمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، وكذا الحكومة الجزائرية وشعبها على كرم الضيافة والترتيبات المميزة المتخذة.
الخبير الطاقوي أحمد طرطار:
الإعلان كان شاملا وتفعيل آليات تطوير الغاز ضروري
في قراءته التحليلية لمضمون البيان، يرى الخبير الطاقوي أحمد طرطار أن إعلان الجزائر الذي تمخض عن قمة الدول المصدرة للغاز، قد شمل جميع الجوانب التي من شأنها النهوض بهذه الصناعة، مؤكدا على وجوب تفعيل الآليات و التوصيات المنبثقة عن هذه القمة.
و في حديث له مع “المصدر” عقب المصادقة بالإجماع من طرف رؤساء الدول المشاركة في القمة على الإعلان، ذكر طرطار أنه تم التركيز على طبيعة الغاز في حد ذاته، على أنه منتوج صديق للبيئة وحقيقة إمكانية استغلاله في استخدامات اخرى في خاصة توليد الطاقات البديلة، مما يستوجب، نظرا للأهمية البالغة التي يكتسيها، العمل مستقبلا من خلال دول المنتدى، على زيادة الاستثمار بشكل يؤدي الى تلبية احتياجات المستهلكين سواء المحليين أو الخارجيين.
وأضاف: “يجب كذلك العمل على تطويع التكنولوجيا واستخدامها في مجالات البحث والتنقيب والاستخراج والتسويق وغيرها لأنها تتطلب مهارات وأدوات تسيير مستجدة وهذا ما ركز عليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في كلمته أيضا”.
كما تم كذلك، يضيف طرطار، التأكيد على الدور المهم لمعهد تطوير أبحاث الغاز الذي تم تدشينه بالعاصمة الجزائر، باعتبار انه سيضطلع على مهمة توفير التكنولوجيات وتطويرها وخلق تكنولوجيات جديدة وتعميق عمليه البحث في مجال التطوير وتوسعة المنشآت المختصة بهذا المنتوج الأحفوري.
كما أشار محدثنا إلى وجود نوع من التأكيد على وجوب تحديد أسعار متوافق عليها بين المستهلك والمنتج تماشيا بمبدأ “لا ضرر و لا ضرار”، بحيث يتم اعتماد أسعار بطريقة تخدم المنتجين و المستهلكين على حد سواء، موضحا بأن هذا ممكن اقتداء بالقاعدة التي طبقتها مجموعة اوبيك سابقا حيث حددت سعر البترول بألا ينزل تحت 80 دولارا لانه يضر بالدول المنتجة، في المقابل لا يجب تجاوز 100 دولار لأنه يضر بالمستهلك.
و عن الآليات التي يجب تطبيقها لتجاوز التحديات التي تعرفها صناعة الغاز، يرى الخبير طرطار أنه يجب العمل جماعيا ليس فقط في تحديد سعر المنتوج و ضمان تدفقه ولكن أيضا العمل على استدامته و تطويع التكنولوجيات اللازمة لذلك، مذكرا بكلام رئيس الجمهورية على أنه يجب أن يكون هناك انسيابية في تدفق المعلومات والتكنولوجيات “بحيث ان الدول التي تملكها توزعها للدول التي لا تملكها، وعندئذ يحدث التكامل في سياق هذا المنتدى.
كما يرى طرطار أن الوضع الراهن يستوجب أيضا العمل على تنويع وتطوير الاستثمارات في مجال الغاز، حيث تم ترك الباب المفتوحا لعملية الاجتهاد أمام كل دولة في سياق علاقتها مع شركاءها في داخل المنتدى أو خارجه. وبالتالي هناك علاقه تبادلية داخل المنتدى و كل دوله تجتهد في سياق تعاطيها مع شركات متعددة الجنسيات.
وعن تنديد دول المنتدى بالقيود الاقتصادية أحادية الجانب المتخذة دون الموافقة المسبقة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ولأي تطبيق للقوانين والتنظيمات الوطنية خارج الحدود ضد الدول الأعضاء، قال طرطار: “أعتقد انه كان هناك رد مباشر من طرف دول المنتدى على أن هذه الدول حرة في امتلاك بواطن أراضيها وهي حرة في ممارسة كامل السيادة على مواردها. وبالتالي التصرف فيها بحرية مطلقة ولا داعي للتهديدات القادمة من الغرب سواء كان المستعمر القديم او الغرب الذي يدخل في سياق قوالب جديدة من الاستعمار غير المرئي أو غير المعروف مثل الضغط من خلال تكنولوجيا والضغط من خلال الموارد المالية والشركات و غيرها”.
وأضاف:” أعتقد أن البيان كان واضحا بأن الدول المشكلة للمنتدى متضامنة مع بعضها البعض وأن وضع سيادتها على ثرواتها يشكل جزء من استقلالها السياسي والاقتصادي، لذا فلا داعي ان يكون هناك نوع من التهديد والوعيد من طرف الدول المستهلكة”.
وفي ختام تحليله، أكد طرطار ان الطفرة الحالية التي تعرفها صناعة الغاز في العالم تعطيها وهجا كبيرا، بحيث تتجلى في زيادة الطلب نتيجة الاضطرابات الجيوسياسية. و كذا الانسابية الكبيره في توزيع هذا المورد الطبيعي وهذا ما يشكل عامل ارتياح للدول المصدرة.
أما في الآفاق المستقبلية، فهنا يبرز، حسب ذات الخبير، دور الدول المنضويه تحت لواء المنتدى من خلال تجسيد الفعلي للتوافقات والتي اعتبرها خارطة طريق مبنية على آفاق 2050، فلابد، يضيف، من احترام هذه الخارطة وخلق التعاون البيني داخل المنتدى والاستغلال الأمثل لمعهد البحث بالجزائر من خلال تمكينه من العمل مع مختلف المعاهد والجامعات والمراكز البحثية سواء داخل المنتدى او خارجه، كما لابد من استغلاله في تطوير الفكر التسييري الايجابي والقدرات الإنتاجية خاصه التقنية منها، فيما لم يُغفل أهمية المعهد في اقتراح بدائل للتمويل كون الدور المنوط به ليس فقط تقنيا فقط بل يشمل ايضا أدوارا أخرى متشعبة.
الخبير في الطاقة علي شقنان:
الإعلان أكد حقيقة ألاّ مناص من استغلال الغاز الطبيعي لتحقيق الانتقال الطاقوي
بدوره، يرى الخبير الطاقوي علي شقنان، على أن إعلان الجزائر أكد على أهمية الغاز الطبيعي في الأمن الطاقوي وتعزيز التنمية المستدامة، كما شدد على ضرورة تحقيق استقرار السوق وضمان تلبية الطلبات المرتفعة على الغاز، مشيرا إلى التحديات الجيوسياسية الحالية، وتأثيرها على سوق الطاقة ومثمنا تطرق دول المنتدى لأهمية مكافحة الفقر الطاقوي، خاصة في إفريقيا.
وقال شقنان “للمصدر”، أن اعلان الجزائر، الذي كان منتظرا، أكد على الأهمية الجوهرية للغاز الطبيعي في الأمن الطاقوي كمصدر طاقة وفير ومتاح ومرن وموثوق وكذا دوره في تعزيز التنمية المستدامة التي تعود بالفائدة سواء على المنتجين او المستهلكين على حد سواء وهذا لا يتأتى إلا من خلال تطوير القطاع الغازي عبر تعزيز التعاون والتنسيق بين دول المنتدى في مجال تكنولوجيات الغاز والاستكشافات الجديدة لرفع مستوى الإحتياطات الغازية”.
وأضاف المتحدث أن الإعلان تطرق أيضا إلى العمل بصفة فعالة وجادة على استقرار السوق وهذا وفق ما يسمى تأمين العرض والطلب وكذا ضرورة ضمان تلبية الطلبات المرتفعة على هذه الطاقة بحكم الآمال المنعقدة على هذا المنتدى و دوره في الحفاظ على استقرار السوق و توازنها.
و تطرق الخبير في خضم حديثه، إلى التحديات الجيوسياسية التي تعرفها الساحة العلمية حيث قال: “كما سبق لي الإشارة في عديد المرات قبل انعقاد القمة، فالتحديات الجيوسياسية الحالية التي يعرفها العالم وأخص بالذكر الأزمة الروسية الأوكرانية وتداعياتها الطاقوية والعدوان الصهيوني على غزة وكذلك الأزمة في البحر الأحمر. بالإضافة إلى بعض الإضطرابات والتوترات في أماكن اخرى لها دور وتأثير كبير على سوق الطاقة وبالتالي الدول اليوم مطالبة بأن تتعايش و تدرك جيدا هذا تأثير هذه التحديات الجيوسياسية.
وثمن محدثنا إعلان البيان المرافعة من أجل إستخدام أوسع للغاز الطبيعي في الأسواق المحلية والدولية، كأداة إستراتيجية، لمكافحة الفقر الطاقوي .وقال بهذا الخصوص” أثمن عاليا ماجاء في الإعلان بهذا الخصوص، لقد سبق لنا الإشارة في عديد المرات إلى مايسمى بالقطب الفقير طاقويا، و بضرورة إعطاء هذا المورد المكانة اللازمة لمحاربة الفقر الطاقوي بحكم توفره على كل مايلزم لذلك تحقيقا أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
و اعتبر المتحدث إدانة دول المنتدى لجميع القيود الاقتصادية أحادية الجانب المتخذة ضد الدول الأعضاء في منتدى الدول المصدرة للغاز إيجابيا جدا، كما قال أن استخدام بعض الهيئات لأوراق كالتغير المناخي غير مقبول تمام و الهدف منها عرقلة الاستثمارات في الغاز الطبيعي، ما من شأنه التأثير سلبا على تطوير الغاز الطبيعي وتجارته تماما كما جاء في الإعلان.
في المقابل و لدى اجابته على سؤالنا المتعلق بكيفية تحقيق التوازن المنشود بين تلبية الاحتياجات الطاقوية الحالية و التشجيع على التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة، آثر المتحدث توضيح مفهوم الإنتقال الطاقوي حيث قال بهذا الصدد: “يجب فهم أن الانتقال الطاقوي هو الانتقال من نموذج يعتمد على الطاقة الأحفورية إلى نموذج يعتمد على الطاقات المتجددة و لتحقيق ذلك فلا مناص من استغلال الغاز الطبيعي بصفته الحلقة الآمنة في تحقيق الإنتقال المنشود لأنه الطاقة الأحفورية الأقل ضررا على البيئة”.
وأضاف:” اليوم يتم العمل إيجاد آليات و ميكاميزمات تكنولوجية لتقليل البصمة الكربونية في استخدام الغاز الطبيعي، لذا فإن المنادين بورقة التغير المناخي مخطئون في تقديرهم لأن الغاز الطبيعي هو المخرج الوحيد لتحقيق الإنتقال الطاقوي الآمن و اعتبره حليفا للطاقة الطبيعية المتجددة نظرا لأنه الوحيد الذي يمكن تهجينه مع هاته الأخيرة”.
ورحب شقنان في الأخير بتدشين معهد أبحاث الغاز معتبرا إياه مدعاة للفخر بالنسبة للجزائرين و من شأنه تطوير الأبحاث في هذا المجال كما سيجلب لامحالة إضافة كبير لمجال البحث العلمي بالجزائر وبلدان المنتدى.