الجزائر
أخر الأخبار

حرائق الغابات …. رهان وتحدّي

تشكل الحرائق التي تندلع في الغابات سنويا في الجزائر صداعا للسلطات العمومية التي تسعى غلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الثروة الغابية التي تملكها الجزائر، خاصة وأن الظاهرة السوداء التي واكبت صيف الأعوام الأخيرة خلّفت تأثيراتها السلبية سواء بالقضاء على أنواع نباتية وتكليف خسائر لدى الأشجار المثمرة خاصة منها أشجار الزيتون، بالإضافة إلى التأثير على إحداث تغيرات مناخية، أين كان لانتشار ظاهرة الحرائق في الغابات عوامل طبيعية وأخرى بشرية يدا فيها، سواء نوع من الأشجار الذي يمتز بسرعة الاشتعال

إعداد: عيشة ق.

ويلعب العنصر البشري دورا رئيسيا في الظاهرة التي تؤرّق السلطات، والتي تكلفها ماديا وبشريا، حيث يتسبب الأفراد إراديا ولاإراديا في التسبب بحرائق الغابات، بسبب اللامبالاة والإهمال خاصة في استغلال المحيط الغابي لإشعال المواقد والتّخييم دون مراعاة الشروط الضرورة لذلك، وتسببت الحرائق المسجلة خلال العام 2023 في إتلاف أكثر من 41 ألف هكتار من المساحات الغابية في الجزائر حسبما كشف عنه مسؤولون في قطاع الغابات.

كريم عزيزي: نشر الوعي في المجتمع والحملات التحسيسية أداة مكافحة الحرائق

اعتبر كريم عزيزي خبير دولي في هيكلة مؤسسات المهام الإنسانية أن تعرّض الغابات إلى صدمات حدوث الكوارث الطبيعية في صورة الزلازل، الفياضانات والحرائق تشمل العالم بأسره ولا تقتصر على بلادنا، أين تقوم كل دولة باتخاذ الإجراءات الوقائية من أجل حماية ثروتها الغابية من التّعرض إلى الخسائر التي تؤثر عليها سلبا، ووضع الإمكانيات اللازمة لمقاومتها من عتاد وأفراد كل حسب قدراتها، واستطرد المتحدث في تصريحاته ل”المصدر” أن الجزائر تملك من التجربة والخبرة في مقاومة تعرض الثروة الغابية إلى الحرائق وتملك المؤسسات المقاومة لها والتي تسهر على حماية الغابات في صورة المحافظة الوطنية للغابات، الحماية المدنية، الشرطة والدرك الوطني، حيث تعمل على وضع المخطّط الاستباقي الذي يجعلها في منأى عن التّعرض لمثل هذه الكوارث الطبيعية وذلك من خلال الاستعداد لها قبل حدوثها، حيث أردف أن الإجراءات التي توضع في مثل هاته الحالات لدى الدول المتقدمة تتعلق أساسا بالحماية المدنية والمهندس، الحماية المدنية والمجتمع، من خلال السعي نحو نشر الوعي لدى أفراد المجتمع وجعل المواطنين يدركون أهمية أخذ الاحتياطات، وذلك من خلال القيام بعملية التّعبئة التي تجري قبل فصلي الربيع والخريف عبر تنظيف الغابات ووضع مهندسي الغابات لمسالك الفصل بين الغابات المنتشرة عبر المحيط تفاديا لانتشار رقعة الحريق في حال حدوثه وعدم السماح بانتقاله إلى غابات مجاورة عبر عازل يمنع وقوع الأمر، إلى جانب حفر الينابيع والأحواض المائية قريبة من لغابات، التي تساعد في عملية إطفاء الحرائق في حال اندلاعها، وأشاد المتحدّث بالجهود التي تبذلها بلادنا من خلال تسخير الإمكانيات التي تسمح بوضع تحت التصرف في صورة الطائرات الخاصة بإخماد الحرائق، والتحضير المسبق للتمارين التي يخضع لها أعوان الحماية المدنية حتى يكونوا جاهزين للتدخل في حال اندلاع الحرائق من أجل إخمادها.

أرجع كريم عزيزي أسباب تعرض الغابات في الجزائر إلى الحرائق لأسباب طبيعية بالدرجة الأولى التي تعود إلى تحمّل بعض الفلاحين وأصحاب الغابات مسؤوليتها لعدم الأخذ بالاحتياطات الأمنية لدى إشعال النفايات والذي يعرض الغابات للتّلف، إلى جانب تحمّل اليد البشرية جزءا من المسؤولية للاستهزاء ويعدم المبالاة في القيام بتصرفات تتسبب في الضّرر بصورة لا يمكن الجزم على إثرها غن كانت مقصودة أو غير مقصودة في صورة إلقاء الزجاج الذي يتعرض للاشتعال عند ارتفاع درجات الحرارة إلى جانب سرعة الرياح التي توسّع رقعة الحرائق بسبب الانتشار السريع للالتهاب عند سرعة الرياح

شدّد الخبير الدولي في هيكلة مؤسسات المهام الإنسانية أنّ الوعي الفكري لأفراد المجتمع أنجع وسيلة في محاربة ظاهرة الحرائق التي تطال الغابات في بلادنا خلال الأعوام الأخيرة بالدرجة الأولى، أين قال أنّ دولا كبرى في العالم مثل أمريكا والدول الأوروبية تتعرّض لحرائق الغابات رغم امتلاكها عتاد وامكانيات متطورة وأفراد بأعداد كبيرة، لكنها ليست في منأى عن خطر الحرائق، لهذا فإن الوعي في المجتمع يساهم 50% في تفادي تعرض بلادنا لهذه الكوارث يضيف المعني، الذي أضاف أن التغلب عليها يكون بالوعي، التّعبئة وتنظيف المحيط، إلى جانب الحفاظ على تقليد القيام بعملية التشجير سنويا، وتوفير الحراسة المشدّدة على الغابات، والتّبليغ في حال تواجد الشبهات وتوفير أقمار صناعية استطلاعية تسمح بالتدخل المبكر عند تسجيل الحرائق للسرعة في احتوائها.

اعتبر المتحدث أن القانون الجديد للغابات يمثل الفصل بين الجريمة والمتسبب فيها، لكنه يبقى سهل وصعب التجسيد في ذات الأوان في ظل أن بلادنا تقوم بإصدار قوانين تشريعية تتماشى مع وضع المجتمع الذي يشهد ظهور جرائم جديدة وغريبة على مجتمعنا، يدفع السلطة التشريعية إلى استحداث قوانين جديدة تتماشى مع الأوضاع الجديدة التي تبزر في المجتمع، وأردف أن تطبيق القوانين بسلب الحرية للمتسببين في اندلاع الحرائق تمثل عبرة لباقي الأفراد من أجل أخذ تطبيق تلك القوانين بعين الاعتبار، ودعا في الأخير وسائل الإعلام إلى لعب دورها في هذا السياق من خلال القيام ببرامج تحسيسية وتفسيرية لنصوص قانون الغابات الجديد حتى تكون المعطيات محمل الجد للمواطنين.

ابراهيم شاكر لمنيعي: التغييرات المناخية واللامبالاة يعرّضان الغابات لخطر الحرائق

عدّد إبراهيم شاكر لمنيعي عضو المجلس الوطني للاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين الأسباب التي تؤدي إلى اندلاع الحرائق في الغابات، أين حصرها في التّغيرات المناخية التي تؤثّر على المناخ العالمي وتلعب دورا في حدوث الكارثة الطبيعية، بالإضافة إلى غياب الوعي الذي يرافق مستعملي الغابات في ظل اللامبالاة والاستهتار في رمي القارورات الزجاجية وإشعال مواقد النار من أجل الطهي دون الأخذ بالاحتياطات الأمنية خلال استعمال مساحات الغابات للفسحة والرّاحة أين يؤدي التهاون في عدم إخمادها لتعريض الغابة إلى خطر اندلاع الحرائق، إلى جانب الأعمال التخريبية التي يتسبّب بها بعض الأشخاص.

حذّر المهندس الاستشاري في تصريحات ل”المصدر” من تأثير الخسائر التي تتسبّب فيها الحرائق للغابات على الاقتصاد الوطني بالسلب، حيث كشف أن الاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين نادى دائما بزراعة بعض الأصناف الغابية الخالصة التي تستعمل للخشب منها نبات “البالونية” سواء على مستوى السد الأخضر أو تخصيص مساحات خاصة من أجل زراعتها، بالنظر للنوعية الجيدة للخشب التي تملكها هذه الأنواع من النباتات، وأشار المتحدث إلى الأهمية التي تكتسيها الثروة الغابية المتنوعة التي تملكها بلادنا خاصة منها الأشخاص التي تتواجد في المرتفعات والمناطق الجبلية منها منطقة الأوراس، بالنظر لجودة الخشب الذي يستخدم في صناعة الأثاث وبعض الأنواع من الأسلحة، حيث لا تقل أهميتها الاقتصادية على المنتجات الفلاحية الأخرى يضيف المعني.

وعاد للحديث عن الحملة التحسيسية التي قامت بها عدد من القطاعات بالموازاة مع قطاع الغابات، الفلاحة والحماية المدنية التي انطلقت شهر فيفري المنصرم، أين قال أنها ساهمت في تعميم الوعي للمجتمع على كافة الأصعدة من المخاطر التي تهدد الثروة الاقتصادية الغابية لبلادنا والمساحات الغابية التي يستغلها المواطنون للاستراحة من حر فصل الصيف.

أفاد إبراهيم شاكر لمنيعي أن القانون الجديد الذي يتمحور حول تحديد وضبط قواعد تسيير وحماية وتوسيع وتنمية الثروة الغابية الوطنية يندرج ضمن التنمية المستدامة واستغلال الغابات والأراضي ذات الطابع الغابي وحمايتها من كل أشكال التّعرية والإنجراف، وأضاف أن القانون يهدف في الأساس إلى حماية الثروة الغابية والحيوانية والنباتات البرية المتواجدة على مستوى الحظائر الغابية، وعلى مستوى الولايات خاصة الساحلية بدرجة أولى والولايات الأخرى بدرجة أقل، أين شدّ الانتباه إلى تضمّن القانون الجديد للغابات عقوبات صارمة بالحبس والغرامات المالية لمرتكبي الجرائم المتعلق بحرائق الغابات تصل إلى السجن المؤبّد لمتعمّدي حرق الأملاك الغابية التابعة للدولة.

أشاد المعني بالجهود التي تبذلها الدولة لمحاربة ظاهرة اندلاع الحرائق في الغابات من خلال توسيع حظيرة العتاد الخاصة بالإطفاء خاصة منها العتاد الجوي الذي تعزّز بأكثر من 12 طائرة لإخماد الحرائق التي جرى توزيعها على الولايات الشمالية من أجل المساعدة على التحكم في جميع بؤر الحرائق التي تنتشر وتندلع على مستوى الغابات، واختتم محدّثنا بتثمين الاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين للمضمون الذي جاء به القانون الجديد للغابات بالنظر إلى الدّور الاقتصادي الذي تتميّز به وجدّد على الأهمية التي تشملها زراعة أصناف غابية تملك جودة حطب عالية مثل أشجار “البولونيا”، وأثنى المتحدّث على الجهود التي تقوم بها بعض جمعيات المجتمع المدني من خلال مبادراتها بزراعة الأشجار عبر التراب الوطني الذي يسمح بتحسين المناخ السائد وتلطيفه خاصة في الولايات الجنوبية.

مراد يشدد على تعزيز الإجراءات الاستباقية لمجابهة حرائق الغابات

أكد وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية إبراهيم مراد على ضرورة تعزيز الإجراءات الاستباقية لمجابهة حرائق الغابات، حيث شددً لدى تلقيه عرضا حول المخطط الولائي لمجابهة حرائق الغابات للموسم 2023-2024 على أهمية الإجراءات الاستباقية والوقائية التي تعكف السلطات المحلية عبر التراب الوطني على تجسيدها، وقد أسدى في ذات السياق تعليمات من أجل الإسراع في تهيئة مهبط خاص بالطائرات قاذفات المياه بسيدي بلعباس.

وأبرز إبراهيم مراد الجهود المبذولة من طرف الدولة من خلال تجنيد جميع الوسائل البشرية والمادية ورفع حالة التأهب بما يضمن مجابهة مثلى لحرائق الغابات، داعيا في هذا السياق إلى تكثيف العمليات التحسيسية لمكافحة الحرائق من خلال تجنيد كافة الفاعلين المعنيين وإشراك المجتمع المدني من أجل الحد من هذه الحرائق سواء التي تتسبب فيها العوامل الطبيعية أو التي تكون مفتعلة.

قانون صارم للمحافظة على الغابات والثروة الغابية

صدر قانون مستحدث متعلق بالغابات والثروات الغابية الذي يرمي إلى المحافظة عليها وتثمينها واستغلالها العقلاني في إطار نظرة شاملة ومستدامة وذلك تحت رقم 23-21 ضمن الجريدة الرسمية عدد رقم 83 وقع عليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بتاريخ 23 ديسمبر الماضي، والذي يلغي أحكام القانون رقم 84-1المؤرخ في 23 جوان 1984 والمتضمن النظام العام للغابات المعدل والمتمم، حيث يرمي هذا القانون إلى تحديد وضبط قواعد تسيير وحماية وتوسيع وتنمية الثروة الغابية الوطنية في إطار التنمية المستدامة، واستغلال الغابات والأراضي ذات الطابع الغابي وحمايتها من كل أشكال التعرية والانجراف، ويهدف أيضا إلى حماية الحيوانات والنباتات البرية والمحافظة على الأراضي ومكافحة التصحر وتثمين الغابات والثروات الغابية بمساهمة القطاعات الأخرى المعنية.

وأكد القانون الجديد أن الثروة الغابية الوطنية ثروة وطنية وملك للمجموعة الوطنية، ويجب على كل مواطن وكل مقيم على التراب الوطني حماية هذه الثروة والمساهمة في تنميتها المستدامة، مشددا أن التسيير المستدام للغابات والأراضي ذات الطابع الغابي يعد أولوية أساسية في سياسة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية ويندرج ضمن مسار التخطيط الاقليمي”، ووفقا للقانون الجديد يتم إعداد جرد للثروات لغابية الوطنية كل 10 سنوات، في إطار الإستراتيجية الوطنية للغابات، ويتم تحيينه دوريا، ويسمح ذلك بإعداد المخطط الوطني للتنمية الغابية وتوجيه الاستراتيجية الوطنية للغابات، ويمنع القانون إلغاء التصنيف لأرض تابعة للملك العمومي الغابي الذي من شأنه أن يؤدي إلى فقدان صفتها كملك عمومي للدولة إلا بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء.

وفي إطار الحفاظ على الثروة الغابية من حرائق الغابات، يمنع هذا القانون استخدام النار لأي غرض كان داخل الفضاءات الغابية أو على بعد 500 متر منها قد يتسبب في نشوب حريق بسبب عدم الاحتياط أو الاهمال، استعمال النار الموجه لطهي الطعام في الأماكن غير المخصصة وغير المهيأة لهذا الغرض، ترك النفايات الناتجة عن المشاة أو المتجولين عن أي شخص طبيعي أو معنوي أخر يمكن أن تتسبب في اندلاع حريق، إضافة إلى التخييم خارج المواقع المهيأة لهذا الغرض.

وتضمن القانون الجديد عقوبات بالحبس وغرامات مالية لمرتكبي الجرائم المتعلقة بحرائق الغابات وتخريبها، والجرائم المتعلقة بعمليات التعرية والرعي والحرث، والجرائم المتعلقة بالبنايات والشغل غير الشرعي داخل الملك العمومي الغابي، والجرائم المتعلقة بالمساس بالثورة الحيوانية والنباتية، وتلك المتعلقة بالاستغلال او الاستعمال غير الشرعيين للمواد الغابية الخشبية وغير الخشبية.

ونصّ في هذا الصدد: “يعاقب بالسجن المؤبد كل من وضع النار عمدا في الأملاك الغابية للدولة أو الجماعات المحلية او المؤسسات أو الهيئات الخاضعة للقانون العام قصد الاعتداء على البيئة أو المحيط أو إتلاف الثروة الغابية والحيوانية أو لأي قصد أخر غير مشروع”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى