حوارات
أخر الأخبار

الخبير الطاقوي مهماه بوزيان لـ”المصدر”: نجحنا في كسر جمود الإنتقال الطاقيّ وتردد 20 سنة

  • الجزائر تبرز دولياً بفضل دبلوماسيتها الطاقوية
  • عوامل حاسمة يجب مراعاتها لهندسة نموذجٍ طاقويّ متوازن
  • أبعادٌ متعددة لنجاح توطين الاستثمارات المستدامة
  • التكنولوجيات والابتكار أدواتٌ تساعد في تسريع الإنتقالِ الطاقويّ

في هذا الحوار المطول والمستفيض، والذي ستنشره جريدة “المصدر” على جزئين، اقتربنا من الباحث الأكاديمي والخبير في الشأن الطاقوي الدكتور مهماه بوزيان وطرحنا عليه سلسة من الأسئلة، مرتبطة بالراهن الطاقوي والآفاق المستقبلية له..

حاورته : أسماء براهيمي

  • بداية، كيف تقيمون الأداء الحالي لبرنامج الانتقال الطاقوي في الجزائر؟ وهل تعتقدون أنه يحقق الأهداف المرجوة؟

شكرا لكم، في البداية ينبغي لنا تحديد الإطار المرجعي للتقييم، سواء ما تعلق بالآداء أو تحقيق الأهداف. أولًا، كلنا ندرك بأن الغاية المركزية المستهدفة من خلال مختلف البرامج الطاقوية الوطنية والمتمثلة في استهداف “ضمان أمننا الطاقوي على المدى البعيد”، وتجسيد ذلك يستوجب الاستمرار في استيفاء حاجات السوق الوطنية من الطاقة في كل الأوقات، مع الإضطلاع بالبعد السيادي للدولة على مواردها الطّبيعيّة من الطّاقة “تجسيد السيادة الطاقوية” كحق أساسي للأمة الجزائرية، والعمل على تأمين الموارد الوطنية حفاظا على مصالح الأمة الجزائرية (وطنية الطاقة)، وتعزيز مكانة الجزائر ودورها كدولة طاقوية محورية مُساهمة بفاعلية في تحقيق الأمن الطاقوي الإقليمي والعالمي.

وضمن هذا المنظور والإطار المرجعي، تُسجل الجزائر تحقيقها الاكتفاء الذاتي في مجال استهلاك الوقود على مستوى السوق الوطنية، بما مكّن من توفير أزيد من 2 مليار دولار كانت مخصصة سنويا لاستيراد الوقود، كما تحوّلت الجزائر في نفس الوقت إلى دولة مصدّرة للوقود، وتربعت على عرش الغاز الطبيعي أفريقيا، فهي صاحبة المركز الإفريقي الأول في السنة الماضية (2023) كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في أفريقيا، كما حققت أعلى معدل لصادرات الغاز المسال منذ العام 2010، بنسبة نمو سنوي بلغ (26,1 %)، وهي نسبة نمو الأعلى والوحيدة على مستوى الدول العربية، أول ممون لإيطاليا بالغاز، وأول ممون لإسبانيا بالغاز، وأكبر ممون لتركيا بالغاز المسال، وثاني ممون لليونان بالغاز، وثاني ممون لأوروبا بالغاز بعد النرويج. هذا التموقع الممتاز للجزائر في الساحة الطاقوية الدولية، هو مؤشر للبروز الدولي للدبلوماسية الطاقوية الوطنية.

ثانيًّا، بالنظر إلى الإنتقال الطاقوي من زاوية استهداف بناء “المزيج الطاقوي المتوازن والمستدام”، والذي يستدعي إحلال الطاقات المتجددة في منظومتنا الطاقوية، فإنه من العدل في القول أن الجزائر تمكنت من تجاوز حالة التردد التي طبعت الـ20 سنة الماضية، ونجحت في كسر الجمود الذي انتهت إليه المشاريع الستة (6) الكبرى التي جرى التخطيط لها في فترة العشريتين الماضيتين، من خلال مباشرة تجسيد البرنامج الوطني للطاقات المتجددة، والذي يستهدف تركيب سعات طاقوية تتجاوز 15000 ميغاواط من محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في آفاق 2035، والبدء فعليا وعمليا في تنفيذ برنامج من 3000 ميغاواط كمرحلة أولى، والذي ستدخل أولى محطاته حيّز الخدمة قبل نهاية هذه السنة 2024، كنقطة انطلاق للإنتاج المتنامي للكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، والذي سيسمح بتضاعف قدرات الطاقة المتجددة في الجزائر، والوصول إلى تحقيق مساهمة من الطاقة الكهربائية المنتجة من الطاقات المتجددة (خصوصا الطاقة الشمسية الكهروضوئية) بنسبة ستُمثّل ثلث (1\3) الطلب الوطني على الكهرباء في آفاق (2030-2035).

ولما نضع هذا الجهد الوطني ضمن السياقات العالمية، سنجد بأن الجزائر التي تستهلك (0,3 %) من الكهرباء الإجمالية المستهلكة عالميا، ستكون مساهمتها في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية تمثل (0,5 %) من مساهمة الطاقة الشمسية عالميا والتي يجب أن تصل إلى 6970 تيراواط ساعة في عام 2030. بمعنى أن مساهمتنا عالميا هي أعلى من مستوى حاجاتنا الداخلية، وهذا مؤشر إيجابي يحسب لصالح الجزائر وينبغي تثمينه.

كما أن القراءة المتفحصة لمشهد إجمالي الاستهلاك الطاقوي النهائي في العالم، خلال عقد من الزمن بين عامي 2011 و2021، يجعلنا نكتشف بأن خطابات الإنتقال الطاقوي العالمي غارقة في السريالية، ففي الوقت الذي ارتفع فيه إجمالي الاستهلاك النهائي للطاقة في العالم بنسبة (16 %). حيث نجد كمية الطاقات المتجددة الحديثة قد زادت حقيقة ضمن إجمالي الاستهلاك الطاقوي النهائي العالمي بـ (20 إكسا جول)، مع زيادة مساهمة مصادر الطاقات المتجددة بـ(3,8 %) في المزيج الطاقوي العالمي النهائي، وتسجيل انخفاض لحصة الوقود الأحفوري في إجمالي الاستهلاك الطاقوي النهائي العالمي بـ (2,3 %). فإننا نجد المحصلة المغيّب الحديث عنها، هي تلك القيمة النهائية التي تعكس حقيقة الإنتقال الطاقوي عالميا، والكامنة في الخلاصة التالية: على الرغم من انخفاض حصة الوقود الأحفوري بـ(2,3 %) ضمن إجمالي الطاقة العالمية، فقد زاد الاستهلاك الإجمالي للوقود الأحفوري بمقدار 35 إكساجول (836 مليون طن مكافئ نفطي) خلال هذه الفترة (2011-2021)، بزيادة تقدر بـ(75 %) أكبر من زيادة حصة الطاقات المتجددة. وهذه هي الحقيقة التي ينبغي التنبه لها والوقف مليًّا عندها، ومعها استحضار دلالات من مخرجات اجتماع مجلس الوزراء المنعقد يوم الأحد 07 أفريل 2024، وفي بنده الخاص بمدى تقدم برنامج تطوير الطاقات المتجددة، حيث أكد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، السيد عبد المجيد تبون، على أهمية تطوير الطاقات المتجددة مع مراعاة الآليات والإمكانيات التكنولوجية لتحقيق انتقال طاقوي مدروس في أدق تفاصيله يراعي المصالح العليا للدولة والطاقات الموجودة حاليا. وهو المسعى الذي اصطلحنا عليه بـ”الإنتقال الطاقوي السلس والآمن والمكيف بالخصوصيات الوطنية”.

  • يتم الحديث في الأوساط الدولية عن تحديّات تواجهها البلدان المُعتمدة على النفط في الانتقال الطاقي الناجح، ماذا عن الجزائر؟

نعم أنتم محقون بخصوص طرح هذا التحدي الجوهري، وهنا يمكننا استحضار ما ورد في تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة IRENA))، نُشر في وقت سابق (2019) تحت عنوان ”عالم جديد: الجغرافيا السياسية لتحوّل الطاقة”، ومما خلص إليه هو أن مُصدِّري النفط قد يفقدون نفوذهم على المستوى الدولي، بينما سيصبح المستوردون في موضع قوة. وأيضا نستحضر تحذير الوكالة الدولية للطاقة (IEA) من احتمال أنْ تَفقِد النُّظم الاقتصادية التي تنتج النفط والغاز سبعة آلاف (7000) مليار دولار أمريكي بحلول عام 2040، وأنْ تنشأ مشاحناتٍ استراتيجية أوسع. ومن خلال قراءتنا للتحولات نجد بأنه على مدى التاريخ، كانت غالبية النقلات الكبرى تَحْدُث بطرق غير متوقعة. على سبيل المثال، صعود سلم الطاقة، بدءًا من الخشب إلى الفحم، في الفترة ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مَكّن من حدوث التحول الصناعي، لكنه تَسبَّب كذلك في حرمان قطاعات ضخمة من الطبقة العاملة من حقوقها، وهو ما دفع كارل ماركس، وفريدريش إنجلز إلى كتابة «البيان الشيوعي» The Communist Manifesto، كذلك فإن الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة من شأنه أن يثير تغييرات عالمية واسعة وعميقة. ومع ذلك، فإن الآثار الجيوسياسية – في معظمها – لم تُدْرَس بعد.

وحين اسقاط أجزاء من ذلك على المشهد الوطني المحلي، سنجد بأن هندسة النموذج الطاقي الوطني المتين والمرن المبني على المزيج الطاقوي المتوازن، المستوعب للمطلب الطاقوي الوطني المستقبلي، والذي تنمو فيه مساهمة الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية بشكل متزايد يشكل تحدّيا مركزيا في منظومتنا الاقتصادية الوطنية، بما يستوجب إدماج المحتوى المحلي، واستيعاب الصناعة المحلية لمعدات وتجهيزات الطاقات المتجددة، مع وضع الدليل المرجعي المعياري في السوق، الذي على أساسه يمكن إطلاق سلاسل صناعة المعدات، وعلى أساسه يتم إعداد دفاتر الشروط والأعباء لمختلف مشاريع الطاقات المتجددة، بما في ذلك التكفل بمشكل خصائص الألواح الكهروضوئية المطلوبة، على غرار ما أثير مؤخرا من عقبة مساحة الصفيحة الكهروضوئية، حيث أنه معيار مطروح على مستوى الدول التي تعاني من عدم امتلاك المساحات الكافية لإحلال المشاريع، أما بالنسبة لنا فإشكالية مساحة الرقعة يُفترض أن لا تُطرح عند التفكير في إقامة المحطات الكبرى، حيث ينبغي عندها التركيز على جودة ومردودية المعدات وسلامة التجهيزات كأولوية بدلا من فرض قيود على أطوال وأبعاد ومساحة اللوح الكهروضوئي. إضافة إلى مسألة فرض الرسوم على المنتوج الوطني وعلى المعدات التي تدخل في صناعته أو تركيبه، فمن المفترض أن تستخدم الرسوم كعامل معزز لتنافسية المنتوج الوطني أمام المنتوج الأجنبي المستورد، وخلق الأفضلية السعرية وتوطينها.

  • قطاع الطاقة المتجددة ككل المجالات الأخرى يحتاج إلى إستثمارات، في رأيكم، ما هي الخطوات العملية التي يجب اتخاذها لتشجيع الاستثمار في القطاع إضافة إلى الإصلاحات التشريعية والقانونية التي باشرتها بلادنا، وهل هناك تحديات تواجه الجزائر في جذب الاستثمارات الأجنبية فيه؟

في تقديري، لا ينبغي السقوط في خطيئة التعميم، من خلال ربط موضوع جذب الإستثمارات ونجاح توطينها بمضامين قانون الإستثمار فقط، أو تسطيح دلالات مناخ الإستثمار وحصره في الجوانب الإجرائية الإدارية، لأنه في عديد الموضوعات توجد عوامل أخرى ينبغي التكفل بها ومعالجتها حتى يُعطي قانون الإستثمار أفضل ما فيه. على سبيل المثال نجد توطين الإستثمارات عبر مشاريع الطاقات المتجددة تقف أمامها تحديات هيكلية، ينبغي إبلاءها العناية اللازمة، نذكر منها على الخصوص:

أولا، تحدي ترابط الشبكة الوطنية للكهرباء وتشبيكها، فالجزائر تمتلك حقيقة أعلى كمون شمسي في العالم، كما لدينا كمونات أخرى عالية القدرة وهامة جدا خصوصا من طاقة الرياح، لكن في واقع الحال لا يمكننا الحديث عن أهمية أي كمون شمسي أو كمون لأية طاقة من الطاقات المتجددة دون وجود شبكة كهربائية متينة مترابطة مع الشبكة الوطنية للكهرباء تُتيح نقل الكهرباء التي تنتجها أية محطة للطاقات المتجددة نحو جهات الطلب ونقاط الإستخدام. لذلك فإن بناء شبكة وطنية للكهرباء تغطي مناطق جنوبنا الكبير ومترابطة فيما بينها وعابرة للصحراء الكبرى، وتحقق الربط البيني الوطني للشبكة الوطنية للكهرباء بين جزئيها الشمالي والجنوبي، وأيضا الترابط الشبكي مع دول الساحل وما وراء جنوبنا الكبير، هذا الإمتداد الذي يمثل عمقنا الجيوستراتيجي، هو رهان استراتيجي وتحدي نرفعه بكل اقتدار لتحقيق استثمارات هامة ستخلق القيمة المضافة العالية القيمة للطاقات المتجددة.

ثانيا، تحدي المضي في التخلص من الدعم الموجه إلى الطاقة، من خلال احلال مقاربة عكسية ناجعة، تقوم على خفض كلفة الكيلوواط ساعي (KWh) المنتج من الطاقات المتجددة، وليس المراهنة على رفع أسعار الكهرباء. فمن خلال تحليلنا لبُنية الكلفة في مشروع الـ(3000 ميغا واط) وجدنا أنه يمكننا فعلا الوصول إلى تكلفة إنتاج الكيلوواط ساعي (KWh) بمتوسط يعادل أقل من أربعة دينار جزائري (4 دج)، إذا تحكمنا فعلا في نفقات التشغيل. إذْ أن الوصول فعلا إلى خفض كلفة الكيلوواط ساعي (KWh) المنتج من الطاقات المتجددة، إلى أقل من (4 دج)، ولما لا حتى أقل من (3 دج) سيدخل منظومة الاقتصاد الوطني في حالة “النجاح المستدام”. ستكون كل فواعل المنظومة الوطنية مستفيدة من ذلك و في أريحية تامة، بداية سيكون المواطن هو المستفيد الأول، وهو محور العملية كلها، حيث سيستفيد من الكهرباء بأسعار لا ترهق قدرته على الدفع ولا تستنزف قدرته الشرائية، ولن يبقى يعيش مخاوف احتمالية رفع أسعار الكهرباء كنتيجة مباشرة وحتمية لرفع الدعم عنها، حيث ستنتفي المخاوف لإنتفاء الأسباب والإكراهات الاقتصادية، وستستفيد المؤسسة الوطنية سونلغاز، لأنها ستتحول من مؤسسة تعيش عجزا مستديما في موازنتها المالية، إلى مؤسسة تحقق فائضا في الأرباح، كونها ستتمكن مستقبلا من تسويق الكيلوواط ساعي (KWh) بربحية، وستستفيد الخزينة العمومية أيضا، كونها لن تُبقى تضخ مبالغ هامة ومعتبرة لدعم أسعار الكهرباء، وستستفيد منتجاتنا الموجه للتصدير من عنصر مهم معززا لتنافسيتها، ألا وهو انتفاء الدعم كمكون في هرمية بناء أسعارها، وستتحرر أسعار المنتجات تصنيعا وتسويقا من إشكالية الدعم، و ستصبح تحمل قيمة حقيقية في السوق دون أن تتعرض لضغوطات التضخم السعري، ولو نبقى نعدد فضائل هذا التوجه فلن نتوقف فقط عند هذه التجليات الإيجابية.

ومن هنا سندرك جميعا مدى الصدقية والواقعية الكامنة في منطق المرافعات التي تستهدف الخروج من “أنماط الريع” في منظومتنا الإقتصادية من عدمها، إذْ أن الإنتقال الطاقوي السليم هو ذاك الذي لا يسحب معه “منطق الريع” إلى صلب المنظومة الجديدة، وعدم استنباته في البدائل المطروحة، فمن يرفض “الريع” في الطاقة التقليدية، يتوجب عليه عدم استرخاص ذلك مع الطاقة المتجددة، أن تُرافع وترفض الريع “هناك” وتطالب بإحلاله “هنا” فهذا لا يستقيم، بمعنى أنه لا يمكن التأسيس لمنظومة طاقوية بديلة قابلة للنمو والحياة والإستدامة على أساس “استدعاء الدعم المستديم، الذي يمتد على مدى 25 سنة قادمة، وهو العمر الافتراضي لمحطات الطاقة الشمسية، المتفق عليه تقنيا”.

ثالثا، تحدي هيمنة استهلاك الطاقة على الشكل الحراري، وما يترتب عنه من تحدي التحول من الإستخدام الحراري في استهلاك الطاقة إلى الكهرباء وتطبيق قواعد الفعالية الطاقوية. إن الإستهلاك الطاقوي الوطني النهائي يغلب عليه الاستهلاك الحراري (أي الإستهلاك على شكل حرارة) بنسبة تزيد عن الـ (54 %)، ونجد ذلك متمركزا في المنشآت والقطاع السكني والصناعي، وحين نحتسب معه حظيرة النقل، نجد الاستهلاك الحراري يقفز إلى ما يقرب الـ (77 %)، بمعنى أن الإستهلاك الكهربائي يغطي نسبة الـ (23 %) فقط من الإستهلاك الطاقوي الوطني النهائي، وبمعنى أكثر دقة يبرز طبيعة مساهمة مشاريع إحلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في مزيجنا الطاقوي، والتي ستدخل ضمن حصة الـ (23 %) التي تغطيها الكهرباء، وبالتالي ينبغي العناية مستقبلا بـ“النسبة المتبقية“ والتي يهيمن عليها الإستخدام الحراري، بما يستوجب حشد الإستثمارات وضخها في جانبين مهمين وهما: الفعالية الطاقوية، وتطوير أنظمة الطاقات المتجددة للاستهلاك الذاتي وتطبيقاتها المستقلة عن الشبكة (السخانات الشمسية، التهوية، الطبخ الشمسي، …)، بما يستدعي كأولوية إطلاق الإستراتيجية الوطنية المتوسطة والبعيدة المدى لإجل ذلك.

  • يتزايد الاهتمام بالتكنولوجيا والابتكار، أي دور يمكن أن تلعبه هذه الأدوات الجديدة في تسريع عملية الانتقال الطاقوي في الجزائر؟

إذا سلمنا افتراضا بأن الانتقال الطاقوي في الجزائر يعني المزيد من إحلال الطاقات المتجددة في مزيجنا الطاقوي الوطني، فإن هذا التوصيف للإنتقال الطاقوي بحاجة إلى إحلال العديد من التكنولوجيات ومن الابتكار لتسريع عمليته، سواء ما تعلق بتطوير أنظمة تخزين الطاقة المنتجة من المصادر المتجددة، وهنا يبرز “الهيدروجين” كحامل طاقوي بإمكانه تخزين مختلف أشكال الطاقة المعروفة على شكله الغازي، ثم إعادة إنتاجها على شكلها الكهربائي أو الحراري، عبر آلية كهروكيميائية في خلايا الوقود الهيدروجينية أو من خلال تفاعله الحراري، والهيدروجين الطاقوي هو اليوم حقل خصب واسع للإبتكار على طول سلسلته إنتاجا وتخزينا ونقلا وتحويلا إلى طاقة، إذ نجد بأن أغلب المؤسسات العاملة في هذا الحقل في عديد بلدان العالم هي مؤسسات ابتكار وشركات ناشئة.

وأيضا أهمية إحلال الذكاء الاصطناعي في منظومة الطاقات المتجددة، لتحسين وتأمين أدائها. دون أن نغفل عن أهمية إدخال سيرورات (Processes) صناعية تكبح الإستهلاك الشره للطاقة على طول سلسلة التعدين، والمقصود هنا صناعة التعدين للمعادن الأساسية للإنتقال الطاقوي، وهنا تكمن أهمية الإبتكار والمؤسسات الناشئة، لإحلال جيل جديد من التكنولوجيات التي تستهدف خفض البصمة الكربونية للمنتجات ذات العلاقة بالطاقة.

ومن الإبتكار كذلك خلق الإطار الملائم والمستدام لنشوء سوق نامية لإلتقاط الكربون ومبادلاته وتحويله إلى قيمة صناعية جديدة عالية القيمة، وأيضا إحلال الهندسة المالية الخضراء والتمويل الأخضر (بما يخلق الترابط المالي بين المشاريع البيئية والطاقوية والمناخية والإجتماعية)، إن إدراج التمويل الأخضر والخدمات المالية الخضراء والأسهم والسندات الخضراء في منظومة الإستثمارات في فضائنا الوطني ستمكننا من خفض البصمة الكربونية في منتجاتنا وسلعنا الموجهة للتصدير، ومستقبلا ستمنحها الحماية من آلية تعديل ضريبة الكربون الحدودية (CBAM)، وابتكار آليات ذلك ينبغي أن تلقى العناية والإهتمام اللازمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى