
تحي الجزائر في الثاني عشر جانفي من كل سنة، إحتفالات رأس السنة الأمازيغية أو ما يُعرف بـ”يناير”، حيث عرفت الأسواق هذا العام إقبالا كبير للمواطنين لإقتناء الحلويات خاصة ما يُعرف بـ”التراز”، وعرفت الأسعار هذا السنة إنخفاضا ملحوظا على ما كانت عليه السنة الماضية.
مظاهر الإحتفلات
تزينت العديد من الشوارع والأسواق بمختلف مظاهر الإحتفالات من أنواع حلويات وألبسة أمازيغية، بالإضافة إلى الأواني والفخار المنحوت برموز تحاكي ثقافة الأمازيغ.
وتشتهر العائلات الجزائرية بإعداد مختلف الأطباق تزامنا ودخول رأس السنة الأمازيغية في 12 جانفي من كل سنة حيث تقوم بإعداد الكسكسي، والحلويات، بالإضافة إلى إقتناء ما يعرف بـ “التراز” وهو خليط من اللوز والجوز والحلوى والتمر والكاكاو وغيرها، وتقوم بعض العائلات بعادة جلب كمية من الحلويات التي تم شراؤها، ووضع أصغر أفراد العائلة داخل إناء ليتم إفراغها عليه، وما يسقط داخل الإناء يصبح خاصاً به، بينما يتم توزيع الكمية التي سقطت خارج الإناء على باقي أفراد الأسرة، ويلاحظ خلال هذه الفترة انتعاش لافت في تجارة المكسرات والحلويات وغيرها، وتتنافس المحال التجارية في عرضها على الباعة.

وقال أحمد.ب بائع للحلويات إن الإقبال على إقتناء الحلوى المختص في البحث في الثقافة الأمازيغية هذه الأيام، خاصة ما يُعرف بـ”التراز”، مؤكدا أن الأسعار هذا العام عرفت إنخفاضا بالمقارنة بالعام الماضي، حيث تتراوح الأسعار من 200 دج إلى 800 دج بحسب النوع، مشيرا إلى المواطنين يفضلون الشراء بالميزان لإنخفاض التكلفة.
وإستحسن المواطنون الإحتفال بيناير الذي يُعد فرصة لشمل العائلات وإدخال البهجة والسرور على الأطفال الصغار.
المختص في الثقافة الأمازيغية، محمد أرزقي فراد:
الأصل في “يناير” رزنامة فلاحية
قال الكاتب والمختص في الثقافة الأمازيغية، محمد أرزقي فراد، إن يناير موروث ثقافي يأبى الزوال، فإحتفال برأس السنة الأمازيغية يندرج في إطار ترسيخ الثقافة الأمازيغية في شمال إفريقيا، حيث يشترك دول المغرب العربي وشمال إفريقيا في مظاهر الإحتفال بهذا العيد.
ويتحدث المختص في الثقافة الأمازيغية، في تصريحه لـ”المصدر”، عن أصل الإحتفال بهذا اليوم من السنة بالرزنامة الفلاحية التي أسسها أجدادنا ووضعوها من أجل تنظيم الحياة لأن في الماضي، كان يعتمد الإنسان كلية على الأعمال الفلاحية لذلك تم تنظيم السوق بالإعتماد على الحساب، فالرزنامة الفلاحية بالإضافة إلى تنظيم الحياة الفلاحية، كان لها بعد فلسفي وبعد روحاني وإجتماعي فالإحتفال بيناير أو رأس العام هو عبارة عن فرصة للتفائل في السنة الجديدة، على أن تأتي بخيرات كثيرة.
وأكد محمد أرزقي فراد، أن الأصل في “يناير” الرزنامة الأمازيغية التي كانت سابقة لظهور الإسلام كان فيها بعض التصورات الأسطورية والتصورات الخيالية التي كانت الغاية منها هو ترضية الطبيعة، فالإنسان في العصور القديمة كان لا يفهم الطبيعة لذلك حاول التعايش مع الطبيعة، لذلك كان سيتقبل العام الجديد بأشهى الأطعمة والفواكه وكل أنواع المكسرات.
وأشار المختص في الثقافة الأمازيغية، إلى أن كل منطقة تشتهر بأنواع طعام ووجبات تقليدية مختلفة على الأخرى لكن في الغالب تكون عبارة عن عجائن وفواكه جافة، يقدم المحتفلون ما تيسر من الأطعمة إلى الجيران وأفراد العائلة بالإضافة إلى تخصيص البعض من الطعام وتقديمه للحيوان، كذلك يلجأ هؤلاء إلى تغيير الأثاث والأواني المستعملة في الطهي.
وأكد محدثنا، أن الرزنامة الحسابية لا تختلف على ما جاء في الإسلام، بحيث قام الدين الإسلام بتهذيب الإحتفال بيناير لأن في الماضي البعيد كانت هناك بعض المظاهر الوثنية لكن بعد ظهور الإسلام قام بتهذيبها بطريقة تنسجم مع القيم الإسلامية، مؤكدا أن الإحتفال بيناير عريق في المجتمع الجزائري، وتختلف تسميته من منظقة إلى أخرى كـ”سنة العرب”، “يناير” و”رأس العام”..إلخ.
وأضاف محمد أرزقي فراد، أنه بفضل إنتشار التعليم والوسائل الإتصال الحديثة جعلت الإحتفالات برأس السنة الأمازيغية بطرق حضارية في إطار المصالحة مع المكون الأمازيغي الذي إسترجع مكانته في المجتمع الجزائري عن طريق دسترة الأمازيغية وإعتبارها لغة وطنية ورسمية، متمنيا لجميع الشعب الجزائري سنة أمازيغية سعيدة، أسقاس أمغاس.
رأس السنة الأمازيغية عطلة مدفوعة الأجر
منذ عام 2018، بدأ الاحتفال رسمياً برأس السنة الأمازيغية في الثاني عشر من جانفي من كلّ عام في الجزائر، حيث تكرس هذا اليوم كعطلة مدفوعة الأجر، وسط احتفالية تشمل العديد من مدن البلاد تكون الثقافة أساس برمجتها سواء في التركيز على الذاكرة الشعبية أو الفنون المعاصرة.
وأكّدت وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، في بيان مشترك مع مديرية الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري، أن يوم الخميس 12 جانفي، سيكون يوم عطلة مدفوعة الأجر، بمناسبة الاحتفال برأس السنة الأمازيغية.
برنامج ثري عبر مختلف المؤسسات الثقافية بالعاصمة
من جهتها، أعدت العديد من المؤسسات الثقافية التابعة لوزارة الثقافة والفنون وولاية الجزائر برنامجا ثريا من النشاطات لإبراز البعد الثقافي والتاريخي والاجتماعي للاحتفال برأس السنة الأمازيغية 2973، والذي يصادف 12 جانفي من كل عام.
ويشمل البرنامج الذي تم إعداده لهذه المناسبة عروض أفلام ومسرحيات وتنظيم معارض حرفية والصناعات تقليدية وكذا ندوات حول الثقافة واللغة الأمازيغية ومختلف الطقوس الاحتفالية.
و في هذا الإطار، ستنظم الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي ما بين 12 الى 27 جانفي الجاري بدار عبد اللطيف معرض للفنان التشكيلي اغيلاس اسياخم كما برمج ديوان رياض الفتح بالمناسبة جلسة فنية مع الفنانة حسنة هني رفقة “فرقة الخالات” من مدينة تيزي وزو الى جانب مشاركة الحكواتية سهام كنوش فضلا على عرض فيلم امازيغي “لوحات فولكلورية من التراث المحلي” للمنتج أحمد قنيف.
كما سينظم المسرح الوطني الجزائري بالمناسبة فعاليات “الايام الوطنية الثانية للمسرح الامازيغي” وذلك من 9 الى 15 جانفي الجاري فيما سيحتضن قصر الثقافة مفدي زكريا معرضا للصناعات التقليدية والمنتجات اليدوية بالتعاون مع مديرية الثقافة لتيسمسيلت إلى جانب ذلك برمج الديوان الوطني للثقافة والإعلام بقاعة الأطلس عرض مسرحي بعنوان ” يناير والعجوز الحمقاء” من إخراج ميلود حاج سعيد.
و يتضمن برنامج المحافظة السامية للأمازيغية للاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة تحت شعار “يناير يجمعنا في جزائر واحدة موحدة”، تنظيم عروض فلكلورية و فنية في الشارع إلى جانب معارض تبرز التراث العريق و المهارة المحلية و كذا ندوات حول الثقافة الأمازيغية في المخطوطات.