أثرت تقلبات السوق العالمية على مختلف إقتصادات الدول فمنها من أعلنت إفلاسها ومنها من غير في الشراكات والتوجهات الإقتصادية خدمة لمصالحها، فتسعى الدول في ظل التغيرات الجيوسياسة إلى تأمين غذائها ومصادرها من الطاقة، والجزائر كغيرها من الدول تشدد على توفير السيادة الإقتصادية من خلال ضمان الأمن في الغذاء، الصحة، الطاقة، الرقمنة، مثلما أكده خبراء ومتتبعوا الشأن الإقتصادي.
رتيبة بوراس
الخبير الإقتصادي، عبد القادر سليماني:
التغيرات العالمية تفرض تحقيق السيادة الإقتصادية للبلاد
في السياق، أكد الخبير الإقتصادي، عبد القادر سليماني، أنه في ظل تقلبات السوق العالمية الناتجة عن التغيرات الجيوسياسية وجائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، وأمام العولمة الإقتصادية الشاملة والشرسة فإن ما يحصل في العالم، له تداعيات وإنعكاسات عديدة تشمل جميع المجالات خصوصا الإقتصاد وقطاع التجارة الدولية بالأخص.
وأضاف الخبير الإقتصادي، في حديثه لـ”المصدر”، أنه بعد جائحة كورونا، وكون الصين شريان العالم في تموين الدول بمختلف المواد منها المواد الأولية وسيطرتها على الخطوط البحرية بنسبة تُقارب 60 بالمائة منها شركات صينية، هو ما يجعل تأثيرات هذه المتغيرات كثيرة ومن أثارها ـ يقول ذات المتحدث ـ نجد أن التضخم وصل في بعض البلدان إلى 50 بالمائة، وعصفت ببلدان أخرى مثل لبنان، كوستاريكا، سودان، الذين أعلنوا إفلاسهما.
وشدد عبد القادر سليماني، أنه أمام هذه التحديات على الجزائر أن تُكَوِنْ جبهة داخلية مبنية على إقتصاد قوي تتمثل دعائمه في الإنتاج الوطني، والذهاب نحو تحقيق الإكتفاء الذاتي، من أجل الوصول إلى الأمن الغذائي والأمن الطاقوي والأمن الصحي، والأمن الرقمي، وهو ما يعني تحقيق السيادة الإقتصادية للجزائر.
وتابع الخبير الإقتصادي، أن تحقيق السيادة الإقتصادية الوطنية يكون بإحداث قطيعة مع الممارسات الإقتصادية القديمة والوصول إلى تنويع الإقتصاد وتنويع مصادر الدخل، والخروج من التبعية النفطية، والذهاب إلى بناء إقتصاد منتج تسعى من خلاله إلى زيادة ناتج الدخل المحلي المقدر بـ 196 مليار دولار، وإستقطاب إستثمارات أجنبية من أجل بناء نسيج إقتصادي صناعي مرتكز على أولويات، كقطاع الفلاحة والصناعة وقطاع المناجم والطاقات المتجددة.
القطاع الفلاحي الأساس لتحقيق السيادة الغذائية
أشار الخبير الإقتصادي، في ذات السياق، إلى أهمية القطاع الفلاحي الذي يُعد الأساس للوصول إلى السيادة الغذائية، فدولتي روسيا وأوكرانيا تسيطران على 50 بالمائة من التجارة العالمية للقمح بالإضافة إلى مواد أولية أخرى كالمواد المعدنية التي تقوم دولة روسيا بتصديرها إلى الخارج، ممّا يفرض على الجزائر الوصول إلى تحقيق سيادتها الغذائية، وأمنها الغذائي، وتنويع شركائها الإقتصاديين، من الصين إلى تركيا وإيطاليا والبحث عن نموذج إقتصادي قوي خلاق للثروة وجالب للإستثمارات الأجنبية.
أما عن رفع سعر الفائدة في البنوك الأمريكية، أكد الخبير الإقتصادي أن الجزائر، تتأثر بطريقة غير مباشرة لأن لديها جانب الحماية من خلال قانون النقد والصرف الجزائري الذي يُعد قانون كلاسيكي يحمي الإقتصاد الوطني من الهزات المباشرة مثل هذه القرارات، لكن يقول سليماني، لا يمنع من زيادة التضخم العالمي وزيادة أسعار المواد الأولية والمواد الغذائية، خصوصا مع إمكانية غلق ميناء شنغهاي وعودة الإصابات بفيروس كورونا في بعض مناطق من الصين معبترا أنها تأثيرات تُأثر على أسعار المواد الأولية ممّا يجعل الجزائر أمام تحدي تحديد ميكانيزمات وآليات لجلب الإستثمارات الأجنبية وإستقطاب التحويلات المالية للسوق السوداء وتفعيل دور البورصة وإعادة هيكلة البنوك.
الخبير الإقتصادي، حمزة بوغادي:
الإسراع في الإصلاحات الكبرى لإمتصاص مختلف الصدمات الدورية للإقتصاد العالمي
من جهته، يرى الخبير الإقتصادي، حمزة بوغادي، أن التقلبات العالمية حاليا تؤثر على الجزائر سلبيا و إيجابيا، مضيفا أنه تقريبا كل الاقتصادات تأثرت بشكل كبير بفعل تراكم الأزمات سنتين من الاختلال بفعل وباء مدمر ألحق إضطراب في كل المؤشرات الاقتصادية العالمية، وخلق أزمات متتالية كإرتفاع الأسعار و شح الإمدادات، مشاكل سلاسل التوريد، والمواد الخام …إلخ.
وأشار الخبير الإقتصادي، في حديثه، لـ”المصدر”، إلى الأزمة الروسية الاوكرانية، التي زادت من تعميق الأزمة و زادت من حدة المشاكل الاقتصادية.
إغتنام التهافت العالمي بعمل شراكات مع الدول الكبرى
مؤكدا أنه على الجزائر إغتنام التهافت العالمي لعمل شراكات مع دول كبرى خصوصا في مجال الطاقة كالغاز و النفط أيضا إستقطاب الاستثمارات في مجالات تعرف اضطرابات كبيرة مثل سعي الدول لتأمين غذاؤها.
مضيفا أن الجزائر تتوفر على كل الإمكانيات حتى تكون شريك إقتصادي مثالي، في المقابل يقول ذات الخبير، فإن الجزائر تُعاني من إستيراد التضخم الكبير الحاصل في الأسواق العالمية.
أما عن إرتفاع قيمة الدولار، أشار حمزة بوغادي، إلى أن الدولار في أعلى مستوياته منذ سنوات والسبب الأساسي هو إعتماده من قبل المستثمرين كملاذ آمن في فترة الأزمات.
مضيفا أن أسواق الأسهم خسرت في الأسبوع المنقضي 2 تريليون دولار و هذا يرجع لترفيع الفدرالي الامريكي في سعر الفائدة بـ 50 نقطة أساس لمحاربة التضخم في الولايات المتحدة الذي بلغ مستويات قياسية بلغت 8,7%، كما أعرب المركزي الاوروبي القيام بخفض عمليات التيسير كمي و رفع سعر الفائدة بدوره على غرار الفدرالي الأمريكي يُضيف ذات الخبير.
وتوقع حمزة بوغادي، توجه دولة تونس نحو ترفيع سعر الفائدة، بـ 25 نقطة، مماّ سيعود أيضا بالسلب على الاقتصاد الوطني، بفعل لإعتماد الكبير على الاستيراد، لذلك وجب علينا يقول ذات الخبير، الإسراع في الإصلاحات الكبرى حتى يتسنى لنا زيادة حجم الإنتاج و الرفع من مداخيل الدولة لنتمكن من امتصاص مختلف الصدمات الدورية للاقتصاد العالمي.
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس تبون وجه الحكومة بضرورة اغتنام تقلبات السوق الدولية وغلاء أسعار المواد الأولية بالتوجه إلى استغلال وفرة المواد المنتجة محليا في تطوير الإنتاج الوطني، مشددا على ضرورة استحداث بنك معلومات، يتيح توفير الإحصائيات الدقيقة، لمختلف المواد المنتجة محليا، وتسمح بمعرفة الاحتياجات الوطنية الحقيقية.
وفي مجال الطاقة، أكد وزير الصناعة أحمد زغدار، من جهته، أن التحولات التي يشهدها العالم في مجال الطاقة تفرض التوجه نحو الاستثمار في الهيدروجين الذي تمتلك فيه الجزائر إمكانيات كبيرة.