يشهد سوق السيارات المستعملة في الجزائر حالة من الارتفاع الجنوني في الأسعار، حيث تجاوزت بعض العروض مستويات قياسية. يأتي هذا في وقت تأخر فيه وكلاء السيارات عن تسليم المركبات الجديدة للمواطنين، وهو ما أدى إلى تفاقم الوضع وزيادة الضغط على سوق السيارات المستعملة.
و تشير الأصداء وبيانات منظّمات حماية المستهلك إلى أن العديد من المواطنين الذين قاموا بشراء سيارات جديدة من الوكلاء المحليين، قد وجدوا أنفسهم في انتظار طويل لتسلم سياراتهم، حيث تجاوز التأخير في بعض الحالات أربعة أشهر، في حين أن دفتر الشروط ينص على أن أقصى أجل للتسليم لا يتجاوز 45 يومًا. واقع يؤدي حتما بالراغبين في اقتناء مركبات إلى اللجوء إلى سوق السيارات المستعملة كبديل، وهو ما يساهم بدوره في ارتفاع الطلب وبالتالي ارتفاع الأسعار، المرتفعة أصلا و التي لا تعكس القيمة الحقيقية للمركبات حسب المختصين.
خلال زيارة استطلاعية قادت “المصدر” إلى أحد أسواق السيارات المستعملة، شرق الجزائر، أجمع العارضون و المشترون على حد سواء، أن الأسعار ارتفعت في الآونة الأخيرة، مؤكّدين على أن الإقبال تراجع نتيجة الارتفاع.
ورغم أنه يُخيّل للزائر بمجرد رؤية المنظر العام، أن الحركية داخل السوق مزدهرة إلا أن المرتادين أكدوا أن الحقيقة عكس ذلك، حيث يكتفي الكثيرون بالسؤال عن الثمن ويرجعون بمجرد تلقي الرد.
وبالحديث عن الأثمان، فعلى سبيل المثال، سيارة “رونو كليو 4” موديل 2015 بمحرك 1.2 لتر، والتي قطعت مسافة 208 ألف كيلومتر، تم اقتراح مبلغ 245 مليون سنتيم لشرائها ومع ذلك، يعتبر صاحب السيارة أن السعر المقدم منخفض مقارنة بقيمتها في السوق. أما سيارة “رونو ستاب واي” ذات الشعبية الواسعة، موديل 2023، والمجهزة بمحرك بنزين /غاز، فقد تم عرضها بمبلغ 375 مليون سنتيم، صاحب السيارة يرى أن هذا السعر يعكس الارتفاع الكبير في الأسعار التي يشهدها السوق، خاصة مع غياب البدائل الجديدة.
وفي مثال آخر، سيارة “فولكسفاغن جيتا” موديل 2009 بمحرك ديزل مُعاد ، عرضت بمبلغ 175 مليون سنتيم، المالك يبدو راضيًا إلى حد ما عن السعر، ولكنه لا يزال يأمل في الحصول على مبلغ أفضل. من جهة أخرى، أفاد صاحب سيارة “رونو سامبول” الشهيرة موديل 2017 بمحرك 1.6 لتر، والتي قطعت مسافة 100 ألف كيلومتر، أنه قام بشرائها بمبلغ 250 مليون سنتيم مع بعض الروتوشات البسيطة.
ولم تكن “نيسان ساني” موديل 2012 بمنأى عن هذا الارتفاع، حيث أشار مالكها إلى أنه رفض عرضًا بمبلغ 150 مليون سنتيم، مؤكداً أنه ينتظر عرضًا أعلى يعكس قيمة السيارة الحقيقية في السوق، أما السيارة المحبوبة لدى فئات واسعة من الجزائريين “سيات إيبيزا” موديل 2017، والتي قطعت 240 ألف كيلومتر، عرضت بمبلغ 246 مليون سنتيم، ومع ذلك، لم يكن هذا المبلغ كافيًا لإقناع مالك السيارة ببيعها: “لو أبيعها بهذا السعر لن أجد ما أشتري مستقبلا” هكذا أوضح.
العديد من المواطنين ممن استقصت “المصدر” آرائهم أبدوا امتعاضهم من الوضع الذي آل إليه سوق السيارات في الجزائر، “مراد” من “ميلة” أكد أن فوجئ بأسعار لا تتناسب تماما و القيمة الحقيقة للسيارة: “من غير المعقول أن تجد سيارة مر على استعمالها أكثر من 19 سنة تبلغ أكثر من مليون دينار”، يقول مراد مستغربا.
أما “سمير” من ولاية “سطيف” فأكد أنه دأب في الأيام الأخيرة على ارتياد سوق السيارات بحثا عن سيارة تناسب متطلباته وميزانيته في آن واحد لكن ذلك ليس بالأمر الهيّن -حسبه-: “أنا أرتاد هذا السوق منذ شهرين ولم أجد لحد الآن ما يناسب متطلباتي و ميزانيتي، كلما أعجبتني سيارة أصدم بثمنها الذي يفوق حدود المعقول” .
وعمدت المصدر للعودة إلى أسعار المركبات في الجزائر في وقت مضى، فمثلا نجد أن سيارة “رونو كليو 4” كانت تُباع في الجزائر بأسعار تتراوح بين 150 مليون و180 مليون سنيتم تقريبًا، وذلك حسب المواصفات والفئة، أما سيارة “سيات إيبيزا” عام 2017 فكان سعرها يتراوح بين 210 مليون و250 مليون سنتيم تقريبًا، وفقًا للفئة والمواصفات، مثل المحرك والميزات الإضافية، ما يجعل الأسعار الحالية منافية لأبسط بديهيات التجارة.
“حمايتُك” تقترح فتح مكاتب صرف لحل أزمة تأخر التسليم
في سياق ما سبق، راحت المنظمة الجزائرية للدفاع عن المستهلك “حمايتك” لتقترح -كحل من الحلول- فتح مكاتب صرف خاصة بالمواطنين الذين يرغبون في اقتناء سيارات مستعملة تقل أعمارها عن ثلاث سنوات أو حتى جديدة.
وأكدت المنظمة في بيان لها، أن شكاوى المواطنين من تأخر تسليم مركباتهم الجديدة أصبحت تتهاطل بكثرة، حيث يعاني العديد من المستهلكين من عدم الحصول على سياراتهم رغم مرور أشهر على دفعهم مبلغ 10 % من قيمة المركبة، مشيرة إلى أن هؤلاء المواطنين يتلقون في النهاية رسالة من الوكيل تخبرهم بعدم توفر السيارة وإرجاع المبلغ المدفوع مع تعويض بنسبة 10 %.
وشدّدت المنظمة أنه إذا كان الوكيل عاجزًا عن توفير الحصص المطلوبة وأن تمويله يتم عبر البنك بالعملة الصعبة، فإن الحل الأمثل يكمن في تدخل السلطات المخولة لفتح مكاتب صرف خاصة بالمواطنين الذين يرغبون في اقتناء سيارات مستعملة تقل أعمارها عن ثلاث سنوات أو حتى جديدة، وأوضحت أن هذه الخطوة ستنهي سيناريو تقاذف التهم بين الأطراف المعنية بشأن توفر السيارات في السوق.
وفيما يتعلق بتقادم الحظيرة الوطنية، أكدت المنظمة أن الأمر لا يقتصر على المركبات السياحية فحسب، بل يشمل أيضًا الشاحنات والحافلات والدراجات النارية، وأبرزت أن ارتفاع أسعار قطع الغيار، إن وجدت، يزيد من معاناة المستهلكين، خاصة وأن حتى القطع المستعملة الأصلية التي كانت تستورد من الخارج بأسعار منخفضة قد اندثرت.
وأشارت المنظمة إلى أن دخول السيارات الجديدة إلى السوق سيلعب دورًا مهمًا في خفض أسعار السيارات المستعملة، حيث أوضحت أن سيارة مثل “Clio 2002″، التي يجب أن لا يتجاوز سعرها الحقيقي 20 مليون سنتيم، تُباع حاليًا بما يقارب 100 مليون سنتيم، وأكدت أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر في بلد مترامي الأطراف، حيث يعتبر اقتناء سيارة ولو مستعملة، ضرورة وليس ترفًا، نظرًا لتباعد المسافات وعدم توفر وسائل النقل المناسبة في بعض الأحيان.
سحبُ اعتماد الوكلاءِ المُخالِفين لدفتر الشروط
وكان وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني علي عون قد أكد مؤخرا، اتخاذ إجراءات صارمة لضمان التزام وكلاء السيارات ببنود دفتر الشروط واحترام حقوق المواطنين في الحصول على سياراتهم ضمن الآجال المحددة.
وفي رده على السؤال الكتابي للنائب بالمجلس الشعبي الوطني عز الدين زحوف، ذكّر عون بأن مصالحه كانت قد دعت عبر بيان بتاريخ 8 أفريل المنصرم، جميع الوكلاء المعتمدين إلى الالتزام الكامل بدفتر الشروط، لاسيما فيما يتعلق بآجال تسليم السيارات وتجنب الترويج الكاذب لوفرة المركبات، مشيرا إلى أن وزارته ستتخذ الإجراءات المنصوص عليها في التشريع والتنظيم المعمول بهما في حالة عدم الالتزام، والتي قد تصل إلى سحب الاعتماد.
كما أشار عون إلى إنشاء الوزارة منصة شكاوى جديدة للتكفل بشكاوى المواطنين الذين لم يستلموا مركباتهم حتى الآن، ومراقبة عمليات الاستيراد والبيع، وتمّ استدعاء الوكلاء المعتمدين لتلقي التوضيحات اللازمة حول كيفية عمل هذه المنصة وكيفية التعامل مع الشكاوى عبر المنصة الرقمية، مع التأكيد على ضرورة معالجة جميع الحالات في أقرب الآجال.