
تعود جذور العلاقات الوثيقة بين الجزائر وفيتنام إلى “مسار الكفاح المشترك للشعبين من أجل حريتهما واسترجاع سيادتهما”، وهما البلدان الذين تعرضا إلى احتلال شرس من الغرب، لم يخرج من أراضيهما إلا بالقوة، ليباشرا في تاريخ شبه متزامن تقريبا رحلة التنمية والنهضة، وكان انضواؤهما ضمن المعسكر الاشتراكي في فترة زمنية معتبرة، خاصية مشتركة أخرى تضاف لسلسلة من تشابه الخصائص بينهما، ما جعل حكومتي البلدين تبحثان عن إقامة تعاون اقتصادي أوسع بينهما، بالاستفادة من العلاقات التاريخية الجيّدة بين هانوي والجزائر.
توفيق أقنيني
وفي ذات السياق، أكد وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني، علي عون، على ضرورة تحديد أولويات التعاون الصناعي بين الجزائر وفيتنام، خاصة بعد انعقاد اللجنة المشتركة 12 الجزائرية الفيتنامية، في لقاء مع سفير جمهورية الفيتنام الاشتراكية، تران كوك كانه، نهاية الأسبوع المنصرم، بحث فيه المسؤولان تطوير العلاقات أكثر في المجال الصناعي على ضوء قانون الاستثمار الجديد.
الصناعات التحويلية ستدفع بالشراكة الاقتصادية
وأفاد الخبير الاقتصادي أحمد شريفي بأن: “الجزائر وفيتنام بلدان يشتركان في العديد من الخصائص التي تجعل عملية التعاون والشراكة الاقتصادية بينهما، أكثر من ممكنة ومفيدة لكلا الطرفين، من أجل الاستفادة من المزايا المقارنة التي يتمتع بها الطرفان، سواء من ناحية المواد الأولية أو الصناعات التحويلية، خاصة منها في مجال الالكترونيك والميكانيك، وكذا الأدوية والنسيج وحتى الصناعات الغذائية”.
وأضاف في تصريح لجريدة “المصدر” بأن: “هاته التفاهمات بين حكومتي البلدين سوف تكون لها انعكاسات جد إيجابية على النمو الاقتصادي وخلق فرص التشغيل، إضافة إلى مواجهة التقلبات الاقتصادية الدولية والبيئية والصحية للجزائر وفيتنام”.
وتابع محدثنا بأنه: “نظرا لما يشهده العالم من حالة توتر وصراع في العديد من بقاع المعمورة، فإن تحقيق الأمن القومي لكل دولة لا يمكن أن يكون إلا من خلال إقامة التحالفات الإستراتيجية والتكتلات الدولية، ومنها تلك المتعلقة بالمجال الاقتصادي”.
مذكرة تفاهم لإنتاج المواد الصيدلانية من الأعشاب الطبية
وكان الوزير عون قد تنقل إلى فيتنام منتصف أكتوبر وحظي باستقبال من نظيره الفيتنامي، حيث أشادا في جلسة جمعت بينهما العلاقات التاريخية الثنائية التي تربط البلدين، وضرورة تعزيز هذه العلاقات وتطويرها في مختلف القطاعات.
وانعقدت خلال هذه الزيارة، الدورة 12 للجنة المشتركة الجزائرية -الفيتنامية بهانوي (الفيتنام) خلال الفترة من 16 إلى 18 أكتوبر 2023، برئاسة علي عون، وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني، ونغوين ثانه نغي، وزير البناء بجمهورية فيتنام الاشتراكية.
واختتمت أشغال هذه الدورة بالتوقيع على محضر الاجتماع، وكذا مذكرة تفاهم في مجال الصناعة الصيدلانية بين مجمع صيدال ومعهد البحث الفيتنامي المتخصص في إنتاج المواد الصيدلانية، بالاعتماد على الأعشاب الطبية، وهي تقنية تتميز بها صناعة الدواء في جمهورية الفيتنام.
كما أشرف الوزير عون خلال الزيارة ذاتها، على فعاليات منتدى رجال الأعمال الجزائري-الفيتنامي الذي نُظِم على هامش اللجنة المشتركة، خاصة وأن من أبرز أهداف هذه الأخيرة تعزيز وتقوية التعاون الثنائي في المجال التجاري.
وقام الطرفان بإجراء تقييم شامل للتعاون الثنائي، كما تباحثا حول الآفاق الجديدة ذات الصلة بالشراكة والاستثمار لإعطاء دفعة جديدة للعلاقات الثنائية، حيث أشاد بهذه المناسبة، الوزير عون، بالعلاقات الأخوية التي تجمع البلدين، وحث كافة القطاعات الوزارية على ضرورة التجسيد الميداني لمخرجات هذه الدورة، مبديا تفاؤله بمستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين والتي تقع على عاتق الحكومة والمتعاملين الاقتصاديين ورجال الأعمال، فيما هنأ وزير البناء الفيتنامي المشاركين ودعاهم إلى مزيد من التواصل والتعاون من أجل إبرام شراكات اقتصادية مربحة للطرفين.
المنسوجات الصناعية والتبادل التجاري محل اهتمام
كما سبق للوزير عون، أن استقبل شهر سبتمبر المنصرم، سفير جمهورية فيتنام الاشتراكية لدى الجزائر، تران كووك كانه، حيث تباحث معه حول تحضيرات الدورة 12 للجنة المشتركة الجزائرية-الفيتنامية المقررة في هانوي (فيتنام) شهر أكتوبر المقبل.
كما تناول اللقاء، ضرورة وضع آليات لتطوير برنامج عمل يعتمد على تحديد وترتيب أولويات مجالات التعاون الصناعي ذات الإمكانات العالية، على غرار المنسوجات الصناعية والإنتاج الصيدلاني، لاسيما في مجال طب الأعشاب، مع وضع آليات لتتبع تنفيذ المشاريع.
وأعرب الطرفان عن استعدادهما الكامل وتصميمهما لإعطاء زخم جديد للتعاون الثنائي، من خلال تعزيز التبادل التجاري وبناء معالم حقيقية للشراكة في المجال الصناعي، الذي سيكون شاهدا على حيوية الصداقة والثقة الراسخة بين البلدين.
40 بالمائة من البن المستورد يأتي من فيتنام
هذا وأظهرت إحصاءات المديرية العامة للجمارك الفيتنامية، أن التجارة الثنائية بين فيتنام والجزائر لا تزال متواضعة، حيث بلغ حجم صادرات فيتنام إلى الجزائر فقط 153 مليون دولار في عام 2022، و30.6 مليون دولار في الربع الأول من عام 2023.
وتوضح بيانات مكتب التجارة الفيتنامي، التابع للسفارة الفيتنامية لدى الجزائر، أنّه “يتعين على الجزائر استيراد كافة إحتياجاتها من البن (القهوة) لتلبية الطلب المحلي، إذ تنفق الدولة ما يساوي 300 مليون دولار أمريكي سنوياً على استيراد حوالي 130.000 طن من حبوب البن”.
كما كشفت بيانات “مكتب التجارة الفيتنامي”، أنّ “صادرات فيتنام نحو الجزائر في هذه المادة بلغت ما يساوي 56000 طن سنة 2021، بقيمة مالية إجمالية لامست عتبة 100 مليون دولار”.