
تتجه الجزائر إلى حماية أمنها الغذائي وتحريره من الاستيراد، من خلال إجراءات جديدة تهدف إلى تأمين بذورها المحلية، بعد إنشائها للبنك الوطني للبذور الذي تعثر لسنوات، في الوقت التي يشهد فيه العالم تهديدات مستقبلية، وبشكل خاص التكلفة العالية للبذور في الأسواق الدولية.
ويدعو مراقبون إلى ضرورة الحفاظ على البذور الأصلية وحمايتها من الاِنقراض، نتيجة الاِنتشار الواسع للبذور المهجنة والمعدلة وراثيا.
وكشفت مصادر لجريدة “المصدر” أن الجزائر خسرت العديد من أصناف البذور، وهو الأمر الذي يُلزم البلاد تحديد موقع العينات والبذور الجزائرية والعمل على استرجاعها.
وهو ما تؤكده الاتفاقية الدولية لمنظمة الأغذية والزراعة “الفاو”، على التزام الدول الموقعة عليها منها الجزائر بتبادل الموارد الجينية، واعتبار إرجاع الجينات إلى مواطنها الأصلية أمرا ملزما.
ولعل التجربة التونسية في استرجاع بذورها الوطنية خير دليل مؤخرا، بعد تمكنها من استرجاع الآلاف منها من أستراليا، بعد مرور سنوات على خسارتها، كما استرجع في فترة سابقة أكثر من ستة آلاف من بذور القمح المحلية من الولايات المتحدة الأميركية.
الإسراع في توثيق المعارف والخبرات
ويشكل بنك البذور حلقة مهمة في تحقيق الأمن الغذائي والحفاظ على الموارد الجينية بالنظر إلى التغيرات المناخية وتهديدات الحرائق، وهو الأمر الذي يلزم البلاد وضع إستراتيجية طويلة المدى هدفها الحفاظ على الأمن الغذائي للأجيال القادمة.
وبالعودة إلى سنوات التسعينات، كانت هناك هيئة لمراقبة البذور المستوردة، غير أن هذه الأخيرة تم التخلي عنها، وهو ما يفسر عجز السوق في الحفاظ على النظام بسبب ضعف اليات المراقبة على البذور خاصة الهجينة كونها تنتج مرة واحدة فقط.
إلى ذلك يدعو خبراء إلى ضرورة الإسراع في توثيق المعلومات المتعلقة بشكل خاص بأماكن تواجد البذور المحلية وأصنافها وأسمائها، وتوثيق المعارف والخبرات التي يمتلكها الفلاحون بخصوص كيفية زراعتها والعناية بها.
تأمين البذور…معركة خاضها الفلاحون في صمت
بالرغم من ضعف المرافقة وقلة الإمكانيات، وأزمة الجفاف، إلى أن كل هذه العراقيل لم تمنع الغيورين على وطنهم “أبناء الأرض” الفلاحين من خوض معركة حقيقية وفي صمت، فهم يعتبرون أن تأمين البذور المحلية قضية سيادية وطنية، ورهان يلزمهم الحفاظ على هذه الثروة التي كانت قبل سنوات منسية، في الوقت الذي كانت الجزائر تمد يدها إلى الخارج عن طريق استيرادها للبذور، عوض الإسراع في إطلاق بنك الجينات الذي تعثر منذ سنوات.
البذور المستوردة تستهلك 40 بالمائة من تكاليف الإنتاج
ويدعو المختص الفلاحي، ملكاوي عبد الناصر، إلى ضرورة الإسراع في توثيق أماكن تواجد البذور الأصلية، مع تدوين مهارات استخدامها، وإعادة تنظيم سوق إنتاج البذور المحلية الأصلية واسترجاعها، مشيرا إلى أن البذور المستوردة تستهلك 40 بالمائة من تكاليف الإنتاج.
وقال ملكاوي عبد الناصر لـ”المصدر” إن البذور المحلية غير مكلفة وتتطلب كميات قليلة من المياه والأسمدة، غير أن بعض الفلاحين يجهلون حقيقة ذلك ويلجؤون إلى البذور المستوردة، كونها توفر منتوج كبيرا وفي وقت مبكر وهي مقاومة للأمراض، عكس البذور المحلية التي نجد أن إنتاجها ضعيف.
ويكشف لمختص أن المعاهد والمخابر الزراعية، بينت أن البذور المستوردة تستهلك نحو 40 بالمائة من تكاليف الإنتاج مقارنة بالبذور المحلية التي لا تكلف كثيرا.
يضيف محدثنا إن البذور الأصلية المحلية تساهم بشكل كبير في المحافظة على النظام البيئي وتعزيز التنوع البيولوجي وتشجيع الاِستدامة، سيما وأنها تتأقلم بشكل كبير مع الظروف والتقلبات المناخية.
وفي معرض سؤالنا عن كيفية التفريق بين البذور المحلية والمستوردة، أكد المختص أن المعاهد لها دور كبير في تحديد الصفات الوراثية التي تميز بين النوعين، وهو ما يستدعي مرافقتها للفلاحين لتوجيههم وإرشادهم من أجل معرفتهم للبذور المحلية وكيف يمكنها حمايتها من التهجين.
70 بالمائة من بذور الخضروات مستوردة !
من جهته، دعا الخبير الفلاحي، منصوري أحمد، إلى جمع البذور من الفلاحين ووضعها تحت تصرف المعاهد، بهدف إخضاعها للتكاثر وحمايتها من التهجين، مشيرا إلى أن أزيد من 70 من بذور الخضروات مستوردة.
وقال المختص الفلاحي، منصوري أحمد، إن حوالي 10 بالمائة من البذور محلية موجودة عند فلاحي المناطق النائية، وهي مهددة بالاِنقراض، وهو ما يستدعي الإسراع في تأمينها والحفاظ عليها.
وأضاف: “إلى جانب البذور المستوردة التي تم جلبها خلال سنوات الثمانينات، ولكونها تأقلمت مع المناخ والتربة نعتبرها محلية لذلك وجب الحفاظ عليها وحمايتها”.
الجزائر لن تمد يدها إلى الخارج
في خطوة قال مسؤولون إنها تهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي للبلاد، ووقف استيراد البذور، أطلقت الجزائر بنك البذور الذي يصل سعته إلى ما يُعادل نحو 6 آلاف سلالة نباتية لأنواع البقوليات الغذائية والعلفية والمحاصيل البقلية والحبوب بأنواعها، كما يحتوي 20 حاوية للسلالات الحيوانية، منها البقر، والماعز، والخيول، وسلالات أخرى.
وقال الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن إن هذه الخطوة تُعد لبنة أخرى تأتي لتعزيز سيادة الجزائر من خلال تكريس مبدأ الأمن الغذائي، الذي يُعتبر جزءاً لا يتجزأ من أمن البلاد.
وفي كلمة خلال مراسم افتتاح بنك البذور الجزائري، قال بن عبد الرحمن إن البذور تُعد مورداً حيوياً لا يمكن الاستغناء عنه، وتلعب دورا رئيسياً في التنمية المستدامة للفلاحة، من خلال استخدامها كنقطة انطلاق لأي برنامج لتحسين النباتات.”
وأضاف بأنها تُشكل إرثاً يتم نقله إلى الأجيال القادمة من أجل مواجهة التحديات الرئيسية المرتبطة بتغيّر المناخ على وجه الخصوص، عبر إنشاء أصناف متأقلمة مع التغيرات المناخية ومقاومة للأمراض”.
وأكد الوزير الأول الجزائري أنه يجب أن تكون الجزائر عنصراً فعالاً على مستوى الأسواق الدولية، ليس كمستورد، ولكن كمصدر، فالجزائر كانت خزان أوروبا من وقت النوميديين، فكيف أصبحت الآن رابع مستورد على المستوى العالمي للقمح اللين.
وخلال جولة له في المعرض المقام على هامش مراسم تدشين البنك الوطني للبذور، أعلن الوزير الأول الجزائري، أنه سيتم توقيف استيراد بذور الخضراوات ابتداءً من العام المقبل..
وبحسب توضيحات بن عبد الرحمن، لا يتعلق القرار بنقص في الموارد المالية، بل بوقف إهدار الطاقات الجزائرية، مؤكداً أنه بات من الضروري تثمين الكفاءات الجزائرية وجهود الدولة في مجال التأهيل الفلاحي، وذلك عن طريق الحد من الاستيراد”.
ولفت إلى أن القيمة الإجمالية لواردات القطاع الفلاحي في الجزائر تتعدى 11 مليار دولار.