
يحيي العالم اليوم العالمي لذكرى ضحايا حوادث الطرق، المصادف لـ 19 نوفمبر من كل سنة والذي اعتمدته منظمة الأمم المتحدة لتسليط الضوء على المآسي التي يخلّفها إرهاب الطرقات.
حاوره: حسان بوزنون
والحقيقة أن هذه الظاهرة آخذة في التزايد على المستوى الدولي وأيضا الوطني وآخر احصائيات منظمة الصحة العالمية تشير إلى وفاة 1.3 مليون شخص سنويا ناهيك عن ملايين المصابين و المتضررين بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
جريدة “المصدر الإقتصادي” حاورت رئيس الاكاديمية الوطنية للسلامة المرورية والأمن عبر الطرق، علي شقيان، للحديث عن الواقع الذي تعيشه الطرقات في الجزائر والحلول التي من شأنها التقليل من حصيلة إرهاب الطرقات الذي أصبح هاجسا يؤرق المسؤولين والمواطنين على حد سواء.
- تزامنا مع اليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا حوادث الطرق، هل يمكنك أن تُعدد لنا أهم الاسباب التي ساهمت في إعادة ارتفاع ظاهرة حوادث الطرقات بالجزائر مقارنة بسنوات بكورونا؟
بالفعل، الإحصائيات المقدمة من طرف المندوبية الوطنية للأمن في الطرق التابعة لوزارة الداخلية وكذا احصائيات الأسلاك الأمنية تشير الى فجوة بين الأرقام الحالية وتلك المسجلة خلال فتره انتشار وباء كورونا، حيث أن الإجراءات التي فرضتها الدولة لمجابهه الوباء حدَّت بشكل كبير من حركة المواطنين وبالتالي تناقص عدد حوادث المرور، لكن وبرفع تدابير الحجر الصحي، وتزامن ذلك مع الفترة الصيفية، عادت الحركية في الطرقات بصورة قوية ما أدى الى عودة الارتفاع في عدد الضحايا.
وبصفة عامة فأسباب الأرقام الكبيرة التي يخلفها إرهاب الطرقات في بلادنا، يتصدرها العامل البشري بنسبه 90 الى 96 % من مجمل الحوادث اضافة الى الاسباب المتعلقة بحالة المركبات والطرقات.
و المؤكد ان الإرتفاع الرّهيب أدى الى استنفار أجهزة الدولة واستدعى الأمر تدخل رئيس الجمهورية الذي أسدى مجموعة من التعليمات مرات عدة.
- تخلف الظاهرة آثارا اقتصادية، اجتماعية وبيئية كبيرة، وبما أن التدابير العقابية والتقنية وتعزيز المراقبة عبر الطرقات المتخذة من قبل الجهات المعنية “لم تعد كافية”، ما المطلوب اليوم حسب رأيكم؟
صحيح فهذه الظاهرة تخلف اثارا مدمرة، وكما ذكرت فإن رئيس الجمهورية كان قد أسدى تعليمات عديدة للحد من هذه الظاهرة وكان قد ألّح خلال مجلس الوزراء السابق أن يتم تطبيق مختلف التعليمات الصادرة.
ونحن بدورنا وبالتنسيق مع كل القطاعات المعنية سواء الأسلاك الأمنية أو المندوبية الوطنية للأمن في الطرق وقطاع الاشغال العمومية وحتى الشؤون الدينية قمنا بعديد الحملات التحسيسية، كما كانت لنا لقاءات مع مسؤولين من وزارات النقل والأشغال العمومية والعدل ومجلس الأمة وتم أيضا استقبالنا من طرف رئيس المجلس الشعبي الوطني ابراهيم بوغالي ولهذا الإستقبال أهمية كبيرة كون المجلس مؤسسة تشريعية تملك قوة الاقتراح. خلال هذه اللقاءات، اقترحنا مجموعة من التدابير التي نراها ضرورية.
- فيم تتمثل هذه الاقتراحات ؟
أبرز هذه الاقتراحات تمحورت حول العامل البشري بصفته المسّبب الأول لحوادث المرور، حيث اقترحنا تعزيز التكوين من خلال اعادة النظر في البرامج التكوينية وايجاد آليه رقابية للقضاء النهائي على المحاباة وتعزيز الشفافية خلال الامتحانات، كما اقترحنا أيضا انشاء ديوان وطني لمسابقات تعليم السياقة وكذا امتحان المتربصين عبر برامج إلكترونيه واستغلال مراكز التكوين المهني وقاعات الاعلام الآلي التابعة لها لذلك.
في هذا الصدد دائما، اقترحنا تدعيم أصحاب مدارس تعليم السياقة من أجل انشاء مدارس ذكية مزودة بالأجهزة الإلكترونية وأحدث التقنيات كجهاز المحاكاة.
- هل ترون ضرورة التطبيق الحقيقي لنظام الرخصة بالتنقيط؟
بطبيعة الحال، فوزارة الداخلية ماضية في عصرنة القطاع ورقمنته. وبالتالي من خلال استحداث رخصة بالنقاط تحوي سجلا للمخالفات، يمكن حصر اصحاب المخالفات الخطيرة وهنا وجب ذكر ان رئيس الجمهورية أكد على ضرورة تصنيف أصحاب المخالفات المرورية وتسليط اقصى العقوبات على أصحاب المخافت الخطيرة.
- لنتكلم عن أصحاب شاحنات نقل البضائع و حافلات المسافرين، كل عام يحصد أصحاب هاته الفئة مئات الأرواح و عديد الخسائر، هل هناك يا ترى نوع من التساهل في منح الرخص لها و هل ترون وجوب اتخاد اجراءات أكثر صرامة؟
أرى أن بنود القرار الوزاري المؤرخ في 19 ماي 2016 والمتعلق بمنح رخصة الكفاءة المهنية لسائقي نقل الاشخاص والبضائع تتسم بالأجهزة بما يكفي، في المقابل اقترحنا على الجهات الوصية مجموعة من الاجراءات.
على سبيل المثال، تقسيم الخطوط الطويلة التي تفوق 600 كلم أو إلزامية العمل بنظام السائق المرافق وتعزيز الرقابة خاصة على حافلات القطاع الخاص التي تشكل 85 % من اجمالي الحافلات.
يمكن ايضا تزويد الحافلات بجهاز التعقب عن بعد، الذي هو بمثابة العلبة السوداء للمركبة حيث يمكن من تخزين البيانات المتعلقة بالسرعة والمخالفات المرتكبة وأماكن التوقف ولهذا نطالب بضرورة ست قانون يفرض هذا الجهاز على سائقي هذه الفئة.
- ماذا عن أصحاب الدراجات النارية و الاستهتار الكبير الذي نشاهده من بعضهم؟و ولم لا نرى مسالك خاصة بالدراجات على غرار عديد البلدان؟
أكيد، نحن عندما ننادي بضرورة رفع جودة التكوين فهاته الفئة معنية أيضا، والمشكل الأساسي هنا راجع إلى ضعف تكوينهم والدليل ان نسبة الدراجات في الحظيرة الوطنية لا تتعدى 0.2 % في حين ان نسبة الحوادث في هذه الفئة بلغت 24 % .
إضافة إلى صغر سن بعضهم حيث نرى شبابا دون السن القانوني يقودون دراجات نارية ومن هنا ننوه بتحميل الاولياء المسؤولية أيضا وهو ما أشرنا إليه لوزارة العدل.
أما فيما يخص استحداث مسالك خاصة بالدراجات النارية على غرار عديد البلدان فأنا اعتقد انه لاشيء يمنع ذلك و من الممكن رؤيتها في بلادنا اذا ارتأت السلطات العليا ذلك.
- لا يمكننا التغاضي عن مسؤولية الراجلين في عديد الحوادث، هل يمكن للدولة استحداث اجراءات ردعية في حقهم في حال عرضوا حياتهم و حياة الآخرين للخطر مثلما نرى في الطرق السريعة؟
في الحقيقة، فإن الإجراءات الردعية لا تستثني فئة الراجلين، غير أن تطبيقها في حقهم يظل محدودا جدا، لذا يجب على المصالح المعنيه تفعيلها على أرض الواقع.
- التبليغ عن المناورات الخطيرة والسياقة المتهورة المرتكبة من طرف العديد من سائقي المركبات عبر طرقات الوطن، كيف ترون هذه الثقافة الجديدة على الجزائريين وما انعكاساتها؟
بالفعل فقد اصبح لدى الجزائريين نوع من الوعي، حيث يستغلون مختلف وسائط التواصل الاجتماعي من أجل توثيق المناورات الخطيرة و التجاوزات وإرسالها إلى السلطات الأمنية عبر التطبيقات الرسمية كتطبيق “طريقي” الخاص بالدرك الوطني. كما أن الأجهزة الأمنية اثبتت تفاعلا كبيرا معها وقامت في الكثير من الاحيان بتوقيف المخالفين وهذا ما من شأنه ان يخلق لدى السائق نوعا من الإحساس بالمراقبة وهو ما نصبو اليه.
- تم إدراج التربية المرورية ضمن المقرر الدراسي للتلاميذ في مرحلة التعليم الابتدائي هذه السنة، ما رأيكم في القرار؟ وهل المساهمة في إنشاء جيل مثقف مروريا بهذه الطريقة كاف؟
كل قطاعات المجتمع تتحمل جزءا من المسؤولية في هذا الموضوع وقطاع التعليم ليس بمنئى عن ذلك. لذا فان هذا القرار مهم جدا ومن شأنه المساهمة في انشاء جيل مثقف مروريا لكن يجب تظافر جهود جميع القطاعات بما في ذلك قطاع الاعلام.
- أخيرا، قد يتبادر لذهن القارئ سؤال حول جدوى احياء هذا اليوم، ما قولكم بهذا الخصوص؟
يمكن إعتبار هذا اليوم فرصة لتقييم مختلف الاحصائيات والارقام التي تعدها المصالح المعنية، كما يعتبر فرصة لايصال نداءاتنا مختلف أطياف المجتمع بضرورة احترام قانون المرور و التشبع بالثقافة المرورية وتوخي الحذر والتذكير بالمآسي التي قد تنجم عن حوادث الطرقات.