
تحدث الخبير الفلاحي والمستشار في التصدير، عيسى منصور، في حواره مع “المصدر” عن تحديات ورهانات القطاع الفلاحي في الجزائر، وأهميته في الصمود في وجه جائحة كورونا وتخطي انعكاساتها السلبية، مشددا على إيجاد إستيراتيجية واضحة لرفع الإنتاج من المواد الإستيراتيجية كالحليب والقمح اللذان يكلفان الدولة أكثر من 3 ملايير دولار سنويا.
حاورته: رتيبة بوراس
في البداية.. بصفتك خبير فلاحي ومستشار في التصدير، كيف تُقيم القطاع الفلاحي بالجزائر؟
القطاع الفلاحي في الجزائر له ما له وعليه ما عليه، ولكي لا نكون جاحدين يمكن القول أن هناك عدة إنجازات ولكن للأسف لم يتطور بالقدر الكافي، فعندما نكون بحاجة إلى الحاويات لأجل تموين السوق وسد حاجيات المواطنين من الغذاء فهذا معناه أن الرهان لم يرفع بعد والقطاع بحاجة إلى برامج تنمية شاملة.
في الحقيقة إن الفلاحة كانت ضحية البترول، فالريع البترولي عوض أن يكون أداة لتنمية القطاع كان في الحقيقة أداة للاستيراد لسد حاجيات السوق من المواد الغذائية الذي كبل كل مجهود للاهتمام بالقطاع الفلاحي ونحن لا نتذكر ذلك إلا عندما تنخفض أسعار البترول وتشح المداخيل ونبدأ بالحديث عن تنويع الاقتصاد وضرورة جعل الفلاحة كبديل للمحروقات.
هل تأخرت الإنطلاقة الحقيقية لهذا القطاع؟
حاليا القطاع الفلاحي يساهم بــ 12% من الناتج الخام الوطني وحقق اكتفاءا ذاتيا نسبيا في بعض المواد ولكن ما دمنا نستورد ما يقارب 70% من احتياجاتنا من المواد الغذائية الأساسية كالقمح والحليب نعتبر أن القطاع لم يصل بعد الى المكانة التي يجب أن يكون عليها، على السلطات العمومية أن تهتم أكثر بالقطاع الفلاحي وتوفر له كل الإمكانيات لأجل تسجيل قفزة نوعية وتحسن الانتاج في كل المواد.
كيف نستطيع تحقيق أمننا الغذائي الذي أصبح أكثر من ضرورة خاصة في ظل الجائحة؟ وهل يمكن اعتبارها دفعة للقطاع؟
نستطيع القول أن القطاع الفلاحي صمد صمود كبير في وجه جائحة كورونا وتخطى انعكاساتها السلبية، فالفلاح لم يتوقف ابدا عن الإنتاج رغم الإجراءات الاحترازية التي تم اتخاذها للتصدي لانتشار الوباء، والسوق في تلك الفترة لم تعرف أي ندرة والأسعار عرفت استقرارا لم تعهده منذ سنوات ولكن هذا لم يمنعنا من استيراد القمح والحليب والمواد الأخرى التي يتعذر علينا انتاجها بالكميات الكافية لسد احتياجات السوق، وكان استيرادها مكلفا أكثر لارتفاع أسعارها في الأسواق الدولية وارتفاع أسعار الشحن بسبب جائحة كورونا.
جائحة كورونا علمتنا ان تحقيق السيادة الغذائية أمر ضروري لتجنب أي مشاكل من أي نوع قد تعيق التبادلات التجارية الدولية وعليه فنحن مطالبون بالعمل جديا على رفع انتاج الحبوب عامة والقمح خاصة وكذا الحليب لأجل التخلي تدريجيا عن الاستيراد ونكون في ارييحية من أنفسنا عند حدوث أي طارئ صحي واقتصادي او أمنى على الصعيد الدولي. أما بخصوص الامن الغذائي فهذا مفهوم مختلف تماما عن الاكتفاء الذاتي وتحقيقه ليس من مهام إلا وزارة الفلاحة ولكن كل القطاعات معنية بالمشاركة، بطريقة أو بأخرى، في تحقيقه.
ما نوع العراقيل التي تقف أمام التوجه نحو تصدير المنتوجات الفلاحية ؟
إن عمليات تصدير المنتوجات الفلاحية الجزائرية ضعيفة جدا وهي تشق طريقها بصعوبة الى الاسواق الخارجية وذلك لعدة مشاكل تتعرض سبيل مسار التصدير ككل والذي لا يمكن ترقيته إلا بمرافقة السلطات العمومية على أكثر من صعيد لأن رغبة المتعاملين وحدها لا تكفي.
لقد قلناها مرارا لا يجب ان نعتمد على تصدير فائض الانتاج لان ذلك غير معقول، المستهلك في الضفة الاخرى حريص جدا على جودة المنتوجات التي يقتنيها.
إذا .. كيف يُمكن رفع نسب التصدير في القطاع ؟
لا يمكن أن نتحصل على الأسواق الخارجية وخاصة الحفاظ عليها إن لم نبلور استراتيجية شاملة تبدأ من توفير عوامل الانتاج حسب المعايير التي تتطلبها تلك الاسواق، واتباع مسارها وإعطاءها الوسم و صفة الجودة وتوفير ما تحتاجه من تعليب و توضيب حسب المعايير والاستثمار في الجانب اللوجستي كالشحن البحري، والجوي والذي يُعتبر عائق كبير أمام ترقية هذه الصادرات، بلادنا تسجل عجز كبير في وسائل شحن السلع ( البحرية و الجوية ) إلى الأسواق الخارجية مع العلم أن المنتوجات الفلاحية معرضة للتلف ولا يمكنها الانتظار كثيرا في الموانئ والمطارات لأجل نقلها
هناك أيضا متطلبات أخرى غير مباشرة من شأنها أن تلعب دور في ترقية صادرات هذه المواد منها ضبط السوق الداخلي ومراقبة الاسعار والعمل على استقرارها، فإن كانت أسعار هذه المواد مرتفعة في السوق الداخلي لا يجد المتعامل أي ضرورة لأجل تصديرها إلى الخارج لأنه يكسب أكثر دون الدخول في دوامة التصدير .
هل ترون أن المنتوج الفلاحي الجزائري ذو جودة قصد تسويقه إلى الخارج؟
عندما نقول على منتوج ما انه ذو جودة يجب أن يمر بعدة مراحل ويخضع للتحاليل التي تثبت ذلك ولا يمكن ان نجزم بجودة منتوج مجهول المسار وعليه فإن عمليات إضفاء الوسم والمطابقة على المنتوجات الفلاحية تعطيها نوع من المصداقية فيما يخص الجودة. إن المنتوجات الفلاحية المتواجدة في الأسواق لا يمكنها تخطي الحدود ما دام انتاجها غير مراقب ومسار انتاجها مجهول ولأجل الولوج الى الأسواق الدولية وإيجاد أسهم فيها يجب أن ننتج مواد تكون موجهة للتصدير وتكون مطابقة للمعايير التي يفرضها المستورد الأجنبي.
المضاربة في المواد الفلاحية أصبحت تؤرق المواطن، بالرغم من صرامة الحكومة في محاربتها، كيف نتخلص منها حسبكم؟
المضاربة سببها حالة التسيب التي تعيشها الأسواق فغياب نظام فعال لضبط السوق وإنعدام أليات المراقبة تهيء الطريق أمام ظهور المضاربين الذين أصبحوا أصحاب “حرفة ” و يملكون كل الوسائل والآليات التي تسمح لهم بالاستحواذ على السوق، فهم يملكون الأموال لأجل شراء المنتوج و يملكون وسائل النقل و أيضا هياكل التخزين ، فهم يفرغون السوق لخلق الندرة ثم يطرحون المنتوجات بالكميات التي يريدون وبالأسعار التي تناسبهم ضاربين بعرض الحائط كل القوانين و الإجراءات التنظيمية التي تحرم هذا الفعل المدمر للقدرة الشرائية للمواطن وللاقتصاد الوطني ككل . محاربة هؤلاء يبدا بتنظيم ومراقبة السوق، لا مناص من استحداث نظام فعال لأجل ضبط السوق والذي لا يمكن ان يكون ناجعا الا اذا تمت دراسة شاملة للسوق و التحكم في سلسلة الإنتاج و التوزيع، علينا أن نضبط الأرقام بخصوص الإنتاج و ان نتعرف على كل المتدخلين وردع كل الناشطين في الميدان بصفة غير قانونية. ان الوفرة والتسيير الجيد للمخزون يمكن أن يساهم فعليا في القضاء على المضاربة.
الجزائر تمتلك 8.5 ملايين هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة إلا أن القطاع الفلاحي يُعاني عجزا بنسبة 30 % في الإنتاج الزراعي، ما تعليقكم وما هي المواد الذي يجب أن نحقق فيها الاكتفاء؟
لا يمكن لأي دولة أن تُحقق اكتفاءا ذاتيا في كل المواد فهذا شيء مستحيل التحقيق ولكن على الدول ان تهتم برفع انتاج المواد الاستراتيجية والأساسية لغذاء مواطنيها حتى تستطيع تحقيق السيادة الغذائية والمشكل في الجزائر هو العجز الكبير المسجل في انتاج مادتي القمح والحليب والتي تعتبر مواد استراتيجية وأساسية جدا لغذاء الجزائريين والتي يكلف استيرادها سنويا أكثر من 3 ملايير دولار ونحن دائما تحت رحمة الأسواق الدولية ونتحمل غاليا تقلباته واختلالاته خاصة مع نقص العرض وارتفاع الأسعار.
لقد تم دعم ومرافقة كل الشعب الفلاحية خلال تطبيق برامج الدعم في اطار المخطط الوطني للتنمية الفلاحية ولكن شعبتي الحبوب والحليب لم تحظى بنفس الاهتمام واستفادت من دعم محتشم مقارنة بالمنتوجات الأخرى. الرهان الكبير والتحدي الذي ينتظر القطاع الفلاحي هو تحسين المردود ورفع الإنتاج من القمح والحليب وذلك ببلورة استراتيجية شاملة وتوفير كل الإمكانيات اللازمة للوصول الى النتائج المرجوة.، لقد اهدرنا الكثير من الوقت وانفقنا الكثير من الأموال دون الوصول الى تلبية حاجيات السوق من المنتوجات الأساسية والاستراتيجية.
ما هي توصياتكم للشباب لإنشاء مؤسسات مصغرة في القطاع الفلاحي؟
كل المجالات المتصلة بالنشاط الفلاحي من شأنها أن تستقطب الشباب لأجل إنشاء مؤسسات ناشئة منها المؤسسات التجارية البحتة والتي تخص مثلا إنتاج مواد مشتقة و تثمين المنتوجات الفلاحية، والاهتمام بالنباتات الغابية، كاستخلاص الزيوت العطرية، والمؤسسات المتصلة بالجانب التقني للقطاع والتي أوليها شخصيا أهمية كبرى لما لها من إنعكاس إيجابي على الفلاحة وأخص بالذكر مؤسسات لأجل الدراسة والاستشارة، مؤسسات مختصة في اضفاء الوسم و المطابقة على المنتوجات الفلاحية و التي تعتبر عملية أساسية لأجل ترقية المنتوج الوطني في الأسواق الخارجية مؤسسات الصيدلة النباتية التي بإمكانها ان تأخذ على عاتقها كل ما يخص الصحة النباتية خاصة منها استعمال المواد الكيماوية و التي تعرف تجاوزا كبيرا جراء الاستعمال المفرط و اللاعقلاني مع كل الاضرار التي قد تصيب النبات و الانسان معا، مخابر لأجراء مختلف التحاليل .
تغيير على رأس قطاع الفلاحة مؤخرا، هل يؤثر على القطاع؟
المشكل ليس في تعاقب الوزراء على القطاع ما ولكنه يكمن في غياب سياسة فلاحية واضحة المعالم، سياسة استشرافية واضحة الاهداف ترتكز على حقائق ميدانية وتقنية وتأخذ بعن الاعتبار كل مقومات وإمكانيات القطاع، سياسة فلاحية ثابتة لا تتأثر بتعاقب المسؤولين لان الهدف في الأخير هو تطوير القطاع و تحويله الى آلية من اليات التنمية الاقتصادية لبلادنا.
في الأخير، ما هي الإصلاحات التي ترونها مناسبة وضرورية لتحسين وتنمية الفلاحة في الجزائر؟..
الوضعية الحالية للقطاع الفلاحي تستوجب إصلاح عميق بإتباع منهج جديد فيما يخص التنمية الدائمة للفلاحة وذلك بحصر نقاط الضعف والمشاكل التي تعيق برامج التنمية نذكر على سبيل المثال لا الحصر التسوية النهائية لمشكل العقار الفلاحي و الذي يتطلب إرادة سياسية و تشريع صارم، ووضع نظام فعال لتمويل الفلاحة من خلال إنشاء مؤسسة من شأنها أن تسهل الحصول على القروض ومرافقة الفلاحين والمستثمرين في القطاع لتجسيد مشاريعهم، وتطوير قطاع التأمين الفلاحي، واعتباره كعامل من العوامل الأساسية لتنمية القطاع الفلاحي، تعزيز نظام المعلومات وكذا الإحصاء الفلاحي لأن المنظومة الاحصائية الفلاحية الحالية تجاوزها الزمن ولا يمكنها في الوقت الراهن أن تلعب دورا في تنمية القطاع، تعزيز التكوين، البحث والإرشاد الفلاحي لأن مؤسسات البحث الموجودة حاليا تُعتبر مؤسسات إدارية بامتياز ومصابة بنوع من العقم “العلمي والتقني” في وسائل البحث والتكوين، إنشاء مؤسسات لتصنيف المنتوج الوطني لأجل ترقيته على مستوى الأسواق الدولية، تطوير مكننة القطاع بإنشاء شبكة ” لوجيستية ” لمساعدة الفلاحين على إستعمالها لأن اقتناء العتاد الفلاحي يتطلب رصد أموال باهظة ممّا يتعذر على الكثير من الفلاحين مكننة مستثمراتهم وقبل كل شيء يجب رد الاعتبار لمهنة الفلاح و تثمينها لأنه لا يمكن أن نعتبر مهنة الفلاح كمهنة ” الفقراء و الفئات المحرومة”، يجب ترسيخ الفكرة على أن الفلاحة هي مهنة مشوقة ومثيرة وتستدعي الإلمام والتحكم بعدة مجالات، الفلاحة حاليا لا تستقطب حتى ”أولادها” الذين يفضلون الوظائف الإدارية على خدمة الأرض.