شرع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الأربعاء، في زيارة دولة، إلى جمهورية إيطاليا تدوم ثلاثة أيام، بدعوة من رئيس جمهورية إيطاليا سيرجيو ماتاريلا.
رتيبة بوراس
تكتسي الزيارة أهمية خاصة، في تمتين أواصر الصداقة التاريخية، وتعزيز العلاقات الثنائية، في عديد المجالات، وبخاصة الجانب الاقتصادي، ضمن رؤية جديدة للرئيسين، تهدف إلى بعث ديناميكية جديدة للحوار والتعاون الاستراتيجي، بين البلدين الجارين والصديقين.
الخبير الإقتصادي، عمر هارون:
الأبعاد الإستراتيجية الموجودة ستخلق شراكة طويلة الأمد بقاعدة رابح رابح
في الخصوص، يرى الخبير الإقتصادي وأستاذ الإقتصاد بجامعة المدية، عمر هارون، أن الأبعاد الإستراتيجية الموجودة بين إيطاليا والجزائر، ستخلق شراكة طويلة الأمد ما بين البلدين وبقاعدة رابح رابح، ومن المنتظر أن تشمل إتفاقيات في مجال الشركات الناشئة والمتوسطة.
وأشار عمر هارون، في حديثه لـ”المصدر”، إلى أن الجزائر وإيطاليا وقعتا إتفاقية صداقة وحسن الجوار سنة 2003، معتبرا أن العلاقات الجزائرية الإيطالية قديمة منذ الثورة، ومن الجانب الثقافي، ذكر ذات المتحدث، أن إيطاليا كانت ضيف المعرض الدولي للكتاب، بالإضافة، إلى أن هناك إتفاق سياسي ما بين البلدين وتقارب وجهات النظر في الملف الليبي.
ومن الجانب الإقتصادي، أكد الخبير الإقتصادي، أن الشراكة الجزائرية الإيطالية، عميقة وتتجسد في شراكة بين شركة إيني وشركة سونطراك، بحيث أن شركة إيني تستحوذ على حجم كبير من الخطة التطويرية التي تقوم بها سونطراك لكل حقولها وبنيتها التحتية، بميزانية بلغت 39 مليار دولار، لأفاق 2026، بالإضافة إلى رفع حجم صادرات الغاز الجزائري إلى أوروبا عبر إيطاليا من 21 مليار متر مكعب إلى حوالي 32 مليار متر مكعب أي ما يعادل 40 بالمائة، من إحتياجيات إيطاليا.
وأضاف أستاذ الإقتصاد بجامعة مدية، أن الشراكة في مجال صناعة البطريات ومستلزمات تخزين الطاقة الكهربائية التي تستخدم في الطاقة الكهربائية والطاقات البديلة وهيدروجين الأخضر من بين الملفات الإقتصادية التي تجمع البلدين.
مشيرا إلى التعاون الكبير ما بين الجزائر وإيطاليا في المجال الإقتصادي، والذي سيتطور إلى مجال الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة التي يُنتظر أن تتم عبر إتفاقيات من خلال الزيارات التي يقوم بها الرئيس في هذا المجال.
علاقات إقتصادية في تطور مستمر
عرفت العلاقات الاقتصادية بين الجزائر و ايطاليا تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، و هذا بفضل المشاريع الاستثمارية و الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة بين البلدين و التي سمحت للجزائر بأن تكون الشريك الاقتصادي الاول بالنسبة لإيطاليا في القارة الافريقية و في منطقة الشرق الاوسط و شمال افريقيا.
و بلغت المبادلات التجارية بين البلدين، بفضل قربهما الجغرافي, 8,5 مليار دولار سنة 2021، مسجلة ارتفاعا كبيرا مقارنة بسنة 2020 حيث بلغت قرابة 6 مليار دولار، حسب أرقام وزارة التجارة و ترقية الصادرات.
و من جهتها، بلغت الصادرات الجزائرية نحو ايطاليا (التي تتمثل خصوصا في المحروقات) ما يقارب 6,24 مليار دولار سنة 2021، في حين بلغت واردات الجزائر من هذا البلد (التي تتكون اساسا من الماكينات و المواد البترولية المكررة و المواد الكيميائية و المواد الحديدية) 2,26 مليار دولار.
و فيما يتعلق بالاستثمارات، تمثل المشاريع المنجزة في مجال الطاقة مثالا حيا للشراكة القوية و لدور الجزائر كمورد موثوق للمحروقات بالنسبة لإيطاليا منذ عقود طويلة.
أما أنبوب الغاز مع ايطاليا العابر للبحر المتوسط (Transmed), و الذي يربط البلدين منذ سنة 1983 مرورا بتونس، فيمتلك قدرة امداد تقدر بـ 33,15 مليار متر مكعب/السنة.
و يحمل انبوب الغاز هذا اسم انريكو متيي، الذي يعتبر مؤسس الصناعة البترولية الايطالية و مناضل مناهض للاستعمار و صديق الثورة الجزائرية، حيث سمح للجزائر بتصدير 14,8 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي نحو ايطاليا سنة 2020، بزيادة تقدر بـ 12 بالمائة مقارنة بسنة 2019، مما صنف الجزائر كثاني مورد للسوق الايطالية بحصة تقدر بـ 22 بالمائة.
سترتفع كميات الغاز المصدرة نحو هذا البلد بـ 9 مليار متر مكعب/سنويا ابتداء من 2024/2023، من خلال الاتفاق الموقع في 11 أفريل المنصرم بالجزائر العاصمة بين الرئيسين المديرين العامين لمجمعي سوناطراك وإيني.
والأمر كذلك بالنسبة لنشاطات تصدير وإنتاج المحروقات، إذ أنجزت الشركتان باشتراك اكتشافات مهمة للبترول الخام والتزمتا تماما في مجال الانتقال الطاقوي بتطوير مشاريع في الطاقة الشمسية (الكهرو-ضوئية) والهيدروجين والوقود الحيوي وغيرها من موارد الطاقات المتجددة.
وتطمح الجزائر وإيطاليا إلى توسيع هذه الشراكة لتشمل مجالات النشاطات الأخرى.
ويتعلق الأمر خصوصا بالصناعة الميكانيكية والفلاحة والتعليم العالي والسياحة والثقافة.
وتتطلع الجزائر إلى الاستفادة من التجربة الإيطالية في مجالات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وبناء السفن والصناعة الصيدلانية وتكنولوجيات الإعلام والاتصال وكذا ترميم البنايات القديمة.
وفي مجال المقاولاتية، تجدر الإشارة إلى أن عدد المؤسسات الإيطالية المتواجدة في الجزائر يفوق 200 مؤسسة تنشط في الأشغال العمومية الكبرى والصناعة والتجهيزات والماكينات.
بعث ديناميكية جديدة للحوار والتعاون الاستراتيجي
تكتسي زيارة الدولة التي سيشرع فيها رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, الى ايطاليا ابتداء من الاربعاء بدعوة من نظيره الايطالي, السيد سارجيو ماتاريلا, اهمية خاصة في تعزيز علاقات الصداقة التاريخية بين البلدين اللذين يتطلعان لبعث ديناميكية جديدة للحوار والتعاون الثنائي.
وأوضح بيان لرئاسة الجمهورية، أن زيارة الرئيس تبون التي ستدوم ثلاثة أيام “تكتسي أهمية خاصة في تمتين أواصر الصداقة التاريخية، وتعزيز العلاقات الثنائية، في عديد المجالات، وبخاصة الجانب الاقتصادي، ضمن رؤية جديدة للرئيسين، تهدف إلى بعث ديناميكية جديدة للحوار والتعاون”.
وتأتي زيارة الرئيس تبون إلى ايطاليا التي يربطها بالجزائر اتفاق صداقة وتعاون وحسن جوار منذ أزيد من 18 سنة، لتعزيز العلاقات الثنائية في عديد الميادين وتوسيع هذه الشراكة لتشمل فضلا عن قطاع الطاقة ميادين أخرى كالصناعة الميكانيكية والفلاحة والسياحة والتعليم العالي.
وقد اكد كلا البلدين في عديد المناسبات على تعزيز العلاقات الوثيقة التي تربطهما, سيما بمناسبة الزيارات الثنائية، وبشكل خاص خلال زيارة الدولة الاخيرة التي قام بها الرئيس الايطالي، سارجيو ماتاريلا الى الجزائر شهر نوفمبر 2021.
وقد أشار الرئيس تبون خلال تلك المناسبة إلى أن العلاقات الثنائية بين البلدين “قوية” و”ستتعزز اكثر في القريب العاجل”.
كما صرح رئيس الجمهورية خلال ندوة صحفية مع الرئيس ماتاريلا، “لقد اتفقنا على كل شيء”، مشيرا الى تطابق وجهات النظر بين الجزائر وإيطاليا في مجال التعاون الاقتصادي، خاصة في ميدان المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لاسيما وان ايطاليا مشهورة بنسيجها الصناعي.
من جانبه، وصف ماتاريلا، هذه العلاقات بـ”العريقة والقوية والإستراتيجية”، مؤكدا على ارادة البلدين المشتركة في تعزيزها أكثر فأكثر.
وعلى أثر المحادثات التي جرت على إنفراد مع الرئيس تبون، اشار ماتاريلا كذلك الى توافق بين البلدين حول جميع المسائل ذات الاهتمام المشترك، معربا عن استعداده لمواصلة التشاور السياسي حول المسائل الدولية والاقليمية، سيما حول الملف الليبي والوضع في منطقة الساحل.
كما توجت زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الإيطالي والتي دامت يومين بتوقيع اتفاقات في مجالات التربية والعدل وحفظ التراث الثقافي.
ويتعلق الامر بفتح مدرسة دولية إيطالية بالجزائر العاصمة، وتوأمة بين المدرستين العليتين للقضاء لكل من الجزائر وإيطاليا واتفاق إطار بين المدرسة الوطنية العليا لحفظ الممتلكات الثقافية وترميمها والمعهد المركزي للترميم بروما.
كما قام رئيس مجلس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي مطلع شهر أفريل الماضي بزيارة إلى الجزائر أسفرت أيضا عن توقيع اتفاقية غاز مهمة بين سوناطراك ومجمع “إيني”.
كما تجدر الاشارة الى تنصيب مجموعة الصداقة البرلمانية الجزائر-ايطاليا مؤخرا بمقر المجلس الشعبي الوطني، للمساهمة في “تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين خدمة لمصالحهما المشتركة”.
وتعمل الجزائر وايطاليا أيضا على إقامة تعاون قوي في المجالات الثقافية والتعليمية والجامعية والسياحية، من خلال التبادلات بين الجامعات ونشاطات تثمين التراث التاريخي والثقافي وكذا تدريس اللغتين الإيطالية في الجزائر والعربية في إيطاليا، خاصة وان تلاميذ الثانويات الجزائرية بإمكانهم اختيار الإيطالية كلغة ثالثة.
وعلى الصعيد الثقافي تميز التعاون الثنائي بمشاركة إيطاليا هذه السنة كضيف شرف في صالون الجزائر الدولي الـ25 للكتاب (سيلا 2022)، مما اتاح للجمهور الزائر فرصة إكتشاف المنشورات الإيطالية وآدابها من خلال العديد من الموائد المستديرة ودور الكتب.
هذا وتم تكريم انريكو ماتيي مؤسسة شركة النفط الايطالية (إيني) والمناهض للاستعمار الذي منحه الرئيس تبون وسام أصدقاء الثورة الجزائرية بعد الوفاة.