
أكد محللو ومتتبعو الوضع السياسي والإقتصادي، أن الأزمة في تونس لا تخدم الأوضاع في منطقة المغرب العربي ودول شمال إفريقيا، مشددين على موقف الجزائر لتحقيق الإستقرار الداخلي للجارة تونس الذي يُعد إستقرارها من إستقرار الجزائر.
رتيبة بوراس
وجاء تعليق الخبراء على خلفية الوضع في تونس عقب تجميد رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد عمل البرلمان وإقالة الحكومة الأحد الماضي، وبموجب هذه القرارات سيتولى سعيد، الذي انتخب عام 2019، السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما اعتبرته حركة النهضة انقلاباً على الدستور.
وعقب اجتماع طارئ في قصر قرطاج، أعلن الرئيس هذه القرارات التي قال إنها تستند للفصل الـ 80 من الدستور، حسبه.
في السياق، تلقى رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الإثنين مكالمة هاتفية من نظيره التونسي، قيس سعيد، تطرقا فيها إلى الوضع الراهن في تونس، حسبما أفاد بيان لرئاسة الجمهورية.
وتبادلا الرئيسان مستجدات الأوضاع في تونس، كما تطرق الرئيسان إلى آفاق العلاقات الجزائرية التونسية وسبل تعزيزها.
ربيج: تونس دخلت في نفق من صراعات سياسية وغير مسموح سقوطها في اللاأمن واللااستقرار

وفي الخصوص، يؤكد المحلل السياسي والأستاذ الجامعي، علي ربيج، في حديثه لـ “المصدر” أن الوضع في تونس نتيجة تراكمات بسبب خلافات سياسية ما بين السلطة التنفيذية الممثلة في رئيس الجمهورية قيس سعيد من جهة والسلطة التشريعية إلى جانب رئيس الحكومة المشيشي الذي يقف في خط متناقض مع رئيس الجمهورية رئيس الهيئة التنفيذية.
مضيفا أن المسألة عبارة عن مسألة صلاحيات ما بين رئيس الجمهورية ورئيس حكومته، بحيث الملاحظ أن هناك تجاذبات قوية ما بينهما وإحتماء رئيس الحكومة بالسلطة التشريعية الممثلة في حزب الأغلبية حزب الغنوشي وحركة النهضة.
معتبرا أن إستمرار الصراع بين الأطراف المذكورة سلفا بالإضافة إلى الأزمة الإقتصادية والصحية وحتى الأمنية التي تعاني منها الجارة تونس، وبحسب المادة 80 من الدستور التونسي التي تمنحه السلطة التقديرية في حال كانت هناك أخطار مهددة للدولة اللجوء إلى إستخدام صلاحياته الرئاسية بتجميد المجلس الشعبي وإنهاء مهام رئيس الحكومة ووزير الدفاع على أن تصبح جميع الصلاحيات التنفيذية والتشريعية تحت تصرفه.
وذكر ربيج أن ما قام به رئيس جمهورية تونس إختلف فيها خبراء القانون الدستوري فهناك من أعطى الحق للرئيس في القرارات التي قام بها والبعض وصفها بأنها إنقلاب دستوري وقانوني ولا يُعطى له صلاحيات بإتخاذ القرارات التي قام بها، مضيفا أن تونس دخلت في نفق من صراعات سياسية بعدما كانت داخل المؤسسات، والملاحظ أنها نزلت إلى الشارع وهنا يكمن الخطر بعدم إستطاعت النخب الحاكمة والأحزاب السياسية من إحتواء الأزمة السياسية التي دامت لأكثر من سنتين وهي الآن تنتقل إلى الشارع ومنه تبدأ المخاوف من مصير تونس من الأزمات مابين القوات العسكرية والأمن التابع تحت سيطرة رئيس الجمهورية وبين أنصار الأحزاب السياسية في مختلف تياراتها الإسلامية واليسارية الذي ندد البعض منها بموقف رئيس الجمهورية.
وعليه يرى ربيج أن الأزمة التونسية تلوح في الأفق خاصة وأنها لم تعد أزمة داخلية والملاحظ تدخل بعض الأطراف التي إصطفت إلى جانب رئيس جمهورية تونس ودول عربية وأوروبية إصطفت إلى جانب الغنوشي وحركة النهضة.
وتخوف المحلل السياسي من تحول الأزمة السياسية في تونس إلى أزمة دولية وتصبح على مسار دول المنطقة، مستدلا بما يحدث في ليبيا وموقف الجزائر الواضح التي لا تسمح بالإنزلاق أكثر في ليبيا ولا بالإنحراف في تونس.
مضيفا أن المكالمة الهاتفية ما بين الرئيسين عبد المجيد تبون وقيس سعيد دليل على إهتمام الجزائر بالوضع في تونس ويُرجح تعويل تونس على الجزائر، مضيفا بالقول: «أن على الجزائر أن تقف على مساحة واحدة مع كل الأطراف وغير مسموح لها أن تدعم طرف على حساب آخر لأنها في الأخير قضية داخلية وشأن داخلي لا تستطيع الجزائر أن تمنع الآخرين من الدخول والتدخل في الشؤون الداخلية، لكن يبقى السلك الدبلوماسي الجزائري في تونس يتابع في الأحداث وتطورات الوضع والذي على ضوء ما يقدمه من تقارير تتخذ الجزائر القرار الصائب حتى لا تفقد مصداقيتها وأهميتها وخاصة أن الجزائر لم تتخلى على تونس حتى في أزمتها الصحية ودعمها لها وكذلك إعانات المالية التي قدمتها لها منذ ثلاث سنوات في حدود 150 مليون من أجل الإستثمار في الأمن والإستقرار لأن أي إصطدام تتعرض له الجارة تونس سيفتح المجال للتدخل الأجنبي ومخاوف من دخول القواعد العسكرية كبعض النماذج العربية التي لا تسمح به الجزائر وذلك بتوظيف علاقاتها على مستوى الدول العربية والأمم المتحدة لتفادي هذا السيناريو.
وأشار ربيج في الأخير إلى أن أي صراع في تونس من الممكن أن يؤدي إلى غلق الحدود مع الجزائر وتوقف تنقل الأشخاص والبضائع والنشاطات التجارية التي تبقى معتبرة ووقف تدفق السياح من وإلى تونس ، مضيفا أن من غير المسموح سقوط تونس في اللاأمن واللاإستقرار خاصة وإنها دولة تعاني من الهجمات والجماعات الإرهابية في ظل وجود المؤسسات الأمنية وما بالك إذا سقطت هذه المؤسسات ودخلت في صراعات سياسية في ما بينها، قد يؤدي إلى المخاوف على الجزائر والمنطقة التي تصبح منكشفة أمنيا وإستيراتيجيا.
علوش: عدم إنفراج الأوضاع السياسية سيؤدي إلى الوقوع في المحظور وتعريض منطقة شمال إفريقيا في أزمة

من جهته، يقول الباحث في الشأن الإفريقي، رشيد علوش، في حديثه لـ “المصدر”، إن الأزمة السياسية الحاصلة في تونس كانت متوقعة نظرا لعدم وصول الأطراف المتصارعة متمثلة في البرلمان ورئيس الجمهورية إلى حلول وتنازل أحد الطرفين للخروج من الأزمة السياسية والإقتصادية والصحية التي أثرت بشكل مباشر على الظروف المعيشية للمواطن التونسي بالدرجة الأولى.
مضيفا أنه وبالنظر إلى الحركة السياسية الإنقلابية كما تسميها الأطراف المتضررة من العملية من بينها حركة النهضة والكتل السياسية المتحالف معها داخل قبة البرلمان في حين الدول الموازنة والمنخرطة وحتى الداعمة للنظام التونسي من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا وحتى ألمانيا التي لا تسميه إنقلاب وإنما شددت على إحترام حقوق الإنسان والحريات العامة، مضيفا أن الإنسداد الحاصل داخل تونس سببه الأزمة الليبية والتصورات غير المشتركة بين الطرفين سعيد والغنوشي إزاء الوضع في ليبيا والذي إعتبره الدكتور علوش منافي وتداخلا في الصلاحيات من قبل رئيس قيس السعيد في تلك الفترة السابقة حيال الوضع في ليبيا، الذي ليرد عليه الغنوشي أنه من المهام التي تم تحديدها له من الدستور ويدخل في السياق المحدد من الدبلوماسية البرلمانية.
معتبرا أن الأوضاع في تونس تعقدت بشكل كبير عند تدخل الأطراف الإقليمية الداعمة للأزمة في ليبيا التي إنعكست على الداخل التونسي من الناحية الإقتصادية نظرا لغلق الحدود والتجاذب السياسي وزيارات رئيس جمهورية تونس إلى العديد من الدول العربية التي كان لها بعد من ناحية دعم المبادرة العربية لسد النهضة والتي فهم على أنه دعم لمحور دون محور.
معتبرا أن عدم قدرة الأطراف السياسية الداخلية في تونس إلى التوصل إلى نقطة توافق سيؤدي إلى الوقوع في المحظور والإنزلاق الذي يعرض منطقة شمال إفريقيا في أزمة في غنى عنها وفي تهديد دائم.
بريش: إنعدام الإستقرار في دول الجوار يكلف الكثير في الجانب الأمني

من جهته، إعتبر النائب البرلماني والخبير الإقتصادي، عبد القادر بريش، في حديثه لـ “المصدر”، أن إستقرار دول الجوار يجعل الجزائر في أريحية نظرا لأن عدم الإستقرار في تونس يكلفها الكثير في الجانب الأمني، مضيفا أن المبادلات بين الجزائر والجارة تونس على رغم من إنخفاضها إلى أن الجزائر تسعى في علاقاتها إلاّ النهوض بها وخاصة أن هناك فرص عن طريق 17 إتفاقيات غير مفعلة مع تونس في مجال التصدير والتجارة الحدودية.
مشيرا أنه بالرغم من أن الوضع الحالي لم يصل إلى تهديد إلاّ أن الأوضاع في الدول الحدودية مع الجزائر مهم ويصب في إستقرارها بحيث تسعى الجزائر إلى حماية حدودها وعلاقاتها الإقتصادية مع دول الجوار لتفادي أي تهديد في المستقبل.