
مع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، يصبح استخدام النظارات الشمسية ضرورة ملحة لحماية الأعين من الأشعة القوية للشمس. إلا أن اللافت هو توجه فئات كبيرة من المواطنين إلى اقتناء النظارات الشمسية المقلدة رغم معرفة الكثيرين بمخاطرها الجسيمة على صحتهم وصحة أعينهم. هذا التوجه يعود بشكل رئيسي، حسب المتتبعين و المواطنين أنفسهم، إلى أسعارها الزهيدة التي تناسب العديد منهم، خاصة في ظل تردي القدرة الشرائية في السنوات الأخيرة، فضلا عن مواكبتها لأحدث صيحات الموضة والتشابه الكبير بينها وبين الموديلات الأصلية، مما يجعل من الصعب التمييز بينها من بعيد.
حسان بوزنون
ورغم التحذيرات المتكررة من الأطباء والخبراء حول الأضرار الصحية التي قد تنجم عن استخدام النظارات الشمسية المقلدة، إلا أن هذا لا يمنع انتشارها بشكل واسع، خاصة في ظل غياب الرقابة الفعالة على عمليات بيعها. كما يعرض بعض الباعة هذه النظارات بشكل كبير عبر منصات التواصل الاجتماعي ومواقع التجارة الإلكترونية، وبأساليب تسويقية معسولة، وعبارات مثل “verre traité ” أو “زجاج معالج”وغيرها، مع توفير خدمة التوصيل إلى المنازل، مما يسهل وصولها إلى شريحة واسعة من المجتمع.
في ظل هذه الظروف، يصبح الحديث عن النظارات المقلدة في الجزائر أكثر من مجرد نقاش حول منتجات غير أصلية؛ بل يتحول إلى قضية صحة عمومية تستدعي التدخل السريع من الجهات المختصة للحد من انتشارها وحماية المواطنين من مخاطرها. فما هي الدوافع الحقيقية وراء هذا الانتشار الواسع؟ وكيف يتعامل المواطنون مع هذه المخاطر المحتملة؟ ومارأي الأطباء و المعنيين بهذه القضية الشائكة؟
“أعلم مخاطرها ولكنني أقتنيها”
في جولة استطلاعية قامت بها جريدة “المصدر” إلى شوارع الجزائر العاصمة، وقفنا على مدى توفر النظارات الشمسية المقلدة في مختلف المحلات التجارية، بدءً من محلات بيع مواد التجميل والعطور، وصولاً إلى الأكشاك وحتى الطاولات والأرصفة المنتشرة في الشوارع. كانت هذه الجولة فرصة للحديث مع المواطنين مباشرة ومعرفة آرائهم حول استخدام هذه النظارات.
التقينا بـ “حمزة”، وهو شاب في الثلاثين من عمره، حيث قال بصراحة إنه لا يهتم إذا كانت النظارات التي يشتريها أصلية أم مقلدة، ما دامت تبدو جميلة وجذابة. وأوضح أنه يفضل شراء عدة نظارات مقلدة بدلاً من واحدة أصلية مرتفعة الثمن، قائلاً: “لماذا أدفع 15000 دينار أو أكثر مقابل نظارة واحدة، في حين يمكنني شراء عدة نظارات بنفس المبلغ وتكون أيضاً جميلة وأنيقة؟” مضيفا: ” لو لاحظت أنها أضرت ببصري لتوقفت عن ارتدائها فورا”.
من جانبها، تحدثت “نوال”، وهي أم لطفلين، عن الأسباب التي تدفعها لاقتناء النظارات المقلدة، مشيرة إلى أن السعر الزهيد هو العامل الرئيسي. وأضافت أنها على دراية بالمخاطر الصحية، حيث تشاهد دائماً التحذيرات عبر التلفاز، ولكنها تجد نفسها مجبرة على شراء هذه النظارات بسبب تكلفتها المنخفضة مقارنة بالأصلية.
كما تحدثنا مع “مراد”، صاحب محل لبيع العطور والهدايا ، الذي أكد أن الإقبال على النظارات المقلدة يزيد بشكل كبير خلال فصل الصيف. موضحا أن أسعار هذه النظارات تتراوح بين 500 و2000 دينار، وأنها تشبه إلى حد كبير الموديلات الأصلية، مما يجعل من الصعب التمييز بينها. وأشار مراد إلى أن العديد من الأهالي يشترون هذه النظارات لأطفالهم، غير مدركين تماماً للمخاطر الصحية التي قد تنجم عن استخدامها.
الطبيب المختص في الصحة العمومية محمد كواش للمصدر:
حذار ثم حذار من الشمسية أو الطبية المقلدة
أكد الطبيب المختص في الصحة العمومية محمد كواش أن انتشار النظارات المقلدة في الجزائر يشكل تهديدًا خطيرًا على صحة المواطنين. وأن ضعف القدرة الشرائية وجهل المواطنين بمخاطر هذه النظارات، سواء كانت شمسية أو طبية، يؤدي إلى انتشارها في الأسواق والأزقة وحتى في بعض المحلات التجارية غير المرخصة. ومحذرا من أن هذه النظارات تتسبب في أضرار جسيمة للعيون، مشددًا على أهمية التوعية والتدخل الحكومي لمنع دخولها وبيعها.
وقال محمد كواش في حديث له مع جريدة “المصدر”، أن ضعف القدرة الشرائية وجهل المواطنين بمخاطر النظارات المقلدة، سواء كانت شمسية أو طبية، يؤدي إلى انتشارها في الأسواق والأزقة وحتى في بعض المحلات التجارية التي تبيع مستحضرات التجميل والأكشاك. وأضاف المختص أن هذه النظارات تُباع حتى على الطاولات في الشوارع، كما يقبل عليها الأولياء لأطفالهم -خاصة في المناسبات والأعياد- بغرض الزينة وهو ما اعتبره أمرا بالغ الخطورة و ينم عن الجهل الكبير الذي يعاني منه بعض المواطنين.
وأشار إلى أن النظارات المقلدة، خاصة المظلمة منها، تشكل خطراً كبيراً على الأطفال. وأوضح قائلاً: “النظارات المقلدة تتسبب في توسع بؤبؤ العين دون منع دخول الأشعة البنفسجية، مما يزيد من خطر التعرض للمضاعفات”.

وأضاف أن هذه النظارات تُصنع من مواد بلاستيكية ومواد مرسكلة لايُعلم مصدرها، على عكس النظارات الأصلية التي تُصنع من مواد تعكس الأشعة فوق البنفسجية، مما يوفر حماية أثناء التعرض لأشعة الشمس، خاصة في فصل الصيف. وقال: “النظارات المقلدة لا تحمي من الأشعة فوق البنفسجية، وهذا ما يؤدي إلى أمراض العيون المختلفة مثل حساسية العين، الالتهابات، وتراجع حاد في الرؤية، وقد يصل الأمر إلى تخريب الشبكية في بعض الأحيان”.
وأكد الطبيب أن العديد من المرضى يأتون للعلاج بسبب تداعيات استخدام النظارات المقلدة. وأشار بالقول: “نعم، هنالك مرضى يعانون من التهابات في القرنية والشبكية وغيرها من الأمراض نتيجة استخدام هذه النظارات دون استشارة المختصين، وكثيراً ما يتطلب الأمر تدخلاً جراحياً”. مبرزا أن الأطباء المختصين في أمراض العيون يستقبلون بكثرة حالات من هذا النوع.
وفي ختام حديثه، نصح الطبيب بالقول: “حذار ثم حذار من النظارات المقلدة وغير الأصلية والبلاستيكية، فهي مضرة بالصحة بشكل كبير. لا بد من التحسيس والتوعية من طرف الأهالي وفي وسائط التواصل الاجتماعي. وعلى الدولة أن تحارب هذا النوع من التجارة لأنها تحتوي على مواد خطيرة وتشكل خطراً على الصحة العمومية. كما يجب على مصالح الجمارك منع دخول هذه النظارات لأنها مقلدة ولا تخضع للمعايير المعمول بها، وتباع بطرق فوضوية مما يضر بالاقتصاد الوطني وبالشركات العالمية والمحلية المنتجة للنظارات الأصلية”.
المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية و إرشاد المستهلك و محيطه فادي تميم:
هذه النظارات لاتخضع لأي معايير و ننادي بحظرها
من جانبها، وفي مواجهة الانتشار الكبير للنظارات الشمسية المقلدة في الأسواق الجزائرية، تطلق المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه تحذيرات قوية بشأن المخاطر الصحية لهذه المنتجات. ففي حديث مع المنسق الوطني للمنظمة فادي تميم، تم تسليط الضوء على التحديات والإجراءات الضرورية للتعامل مع هذه القضية المتنامية.
و أكد فادي تميم ل”المصدر” أن “قضية النظارات المقلدة قضية شائكة في التجارة بالجزائر، وانتشارها بشكل كبير يعود إلى سهولة تداولها وبيعها. للأسف، أصبحنا في الجزائر نسمع عبارات مثل “copie original” و “premier choix” ، رغم أنها كلها تصب في خانة المقلدة”.
وأوضح أن “الأسعار المنخفضة للنظارات المقلدة مقارنة بالأصلية تشجع المستهلكين على اقتنائها، خاصة في فترات الصيف والحرارة المرتفعة حيث يحتاج المواطن إلى نظارات واقية من أشعة الشمس”. لكنه شدد على أن “فكرة اقتناء نظارة مقلدة وغير أصلية بسعر زهيد تشكل خطراً كبيراً على صحة المواطن وبصره”.
وأشار إلى أن المنظمة تعمل منذ سنوات على نشر المعلومات والنصائح حول أخطار النظارات المقلدة، وقد طلبت رسمياً تقليص الكم الهائل من هذه النظارات المتواجدة في السوق. وقال: “قد يقول قائل لماذا هذه الإجراءات في حين أن أسعارها في متناول المواطنين، ونحن نقول إن العلامات غير الأصلية لا تخضع لأي من المعايير الصحية الدولية اللازمة”.

وفيما يتعلق بالتعرف على النظارات الأصلية، أوضح فادي تميم أن “المواطن يمكنه معرفة ما إذا كانت النظارة صحية وأصلية عن طريق الرقم التسلسلي للنظارة. حيث يمكنه الدخول إلى الموقع الرسمي للعلامة والتأكد من مطابقة الرقم التسلسلي للموديل المقتنى”.
وأكد محدثنا على أن “محاولة بعض الأشخاص تغليط المواطن وبيعهم للنظارات المقلدة على أنها أصلية وبأسعار باهظة يعتبر نصباً واحتيالاً على المستهلك”. وأضاف أن المنظمة تقوم “بالتبليغ عن هؤلاء المحتالين وعن المحلات التي تقوم بهذه الأنشطة ومتابعتهم قضائياً عند التأكد من المعلومات الواردة لدينا”.
وشدد ذات المسؤول في “APOCE” على أهمية زيادة وعي المواطنين حول مخاطر هذا النوع من النظارات، قائلاً: “من الأفضل أن يقتني المواطن علامة غير معروفة ولكنها أصلية وبسعر معقول خير له من أن يشتري نظارة من علامة معروفة ولكنها مقلدة”.
وأشار إلى أن “المشكلة الرئيسية تكمن في عدم احتواء النظارات المقلدة على فلتر الأشعة فوق البنفسجية، مما يضر بداخل العين، إضافة إلى زجاج المقلد الذي يؤدي إلى انحراف في الرؤية”.
وأضاف في الأخير : “بالنسبة لكمية النظارات المتداولة في السوق الجزائرية، لا أحد يملك إحصائيات أو نسباً محددة، ولكن المشكلة، أقول وأكرّر، تكمن في سهولة تداول هذه النظارات المقلدة. نحن نطالب بتشديد الرقابة على هذه الأنشطة”.