
قال رئيس المنظمة الوطنية للتنمية الاقتصادية، نصرالدين منير روبعي، أن الجزائر قد تجاوزت مراحل مهمة وحققت إنجازات صعبة في مسيرتها نحو بناء اقتصاد قوي، مشيرًا إلى أن البلاد تسعى إلى حجز مكانة مستحقة بين الدول المتطورة من خلال بناء منظومة اقتصادية حديثة وإعادة هيكلة النظام القانوني لحماية وتطوير الاقتصاد الوطني.
وأكّد روبعي خلال حديثه مع جريدة “المصدر” أن البداية كانت بإصلاحات دستورية تهدف إلى ترسيخ القانون وتحصين المؤسسات، متبوعة بإصلاحات اقتصادية عميقة تهدف إلى تنويع الاقتصاد. وأشار إلى أن هذه الإصلاحات شملت قوانين الاستثمار والنقد والصرف والعقار الصناعي، وغيرها.
قانون الاستثمار والأمن الغذائي
بداية، أشار روبعي إلى أن قانون الاستثمار رقم 18/22 كان نقطة تحول في تاريخ الاقتصاد الوطني، حيث تبعته نصوص تطبيقية وقانون الصفقات العمومية الذي يهدف إلى خلق مناخ استثماري مريح وآمن. مؤكّدًا على أهمية هذا القانون في توفير التسهيلات التحفيزية للمستثمرين.
وفيما يتعلق بالأمن الغذائي، أوضح أن هذا المحور حاز على أكبر حصة من اجتماعات مجالس الوزراء والمخصصات المالية في قانون المالية. وأكد أنه تم تخصيص ملياري دينار لدعم قطاع الفلاحة و2900 مليار دينار للتحويلات الاجتماعية. كما أشار إلى استحداث هيئات سيادية مثل المجلس الاستشاري للتصدير والمجلس الأعلى لضبط الواردات لحماية البيئة الاقتصادية وتنظيم حركة التجارة الخارجية وتطهيرها من الفساد.
و أضاف بالقول “نلاحظ المنحنى التصاعدي للصادرات خارج المحروقات التي قفزت من 1.7 مليار دولار ثم 7 مليار دولار لتبلغ 10مليار دولار نهاية السنة الماضية ، و نحن من خلال منظمتنا نشارك مع وزارة التجارة و ترقية الصادرات في لقاءات و ورشات خاصة بكل القطاعات الوزارية المعنية بالتصدير”
إصلاحات بنكية هامة
في مجال الإصلاحات المصرفية، أكد روبعي أن الحكومة قامت بإنشاء فروع بنكية في الخارج، خاصة في دول إفريقيا مثل موريتانيا والسنغال، وفتح رؤوس أموال البنوك العمومية بنسبة لا تقل عن 30% وإدراجها في البورصة. مشيرًا إلى أن بنك القرض الشعبي الوطني بدأ بطرح أسهم للبيع بنسبة 30% من رأس مال البنك.
وأضاف” ساهمت منظمتنا بملتقيات جهوية مع المدير العام لبورصة الجزائر و المدير العام لبنك القرض الشعبي الوطني للترويج لعملية عرض اسهم البنك. و قد كان العملية ناجحة خاصة في ادماج و امتصاص اموال السوق الموازي التي تمثل 90 مليار دولار”
وأوضح أن القانون النقدي والمصرفي رقم 09/23 جاء بإطار لتنظيم الصيرفة الإسلامية، بإنشاء بنوك إسلامية وشبابيك إسلامية واعتماد مكاتب صرف قانونية. مشددًا على أن هذه الخطوات ستساهم في تحسين القطاع المالي والمصرفي في البلاد. مشيرا أنه هذا من بين توصيات المنظمة الوطنية للتنمية الاقتصادية في لقاء حول الانعاش الاقتصادي سنة 2020 ترأسه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
التحوّل الطاقوي والاستثمار في الطاقات المتجددة
وبخصوص التحول الطاقوي والاستثمار في الطاقات المتجددة والنظيفة، قال نصر الدين منير ربعي: “شغل التحول الطاقوي والاستثمار في الطاقات المتجددة والنظيفة فضاءً إعلاميًا مهمًا، حيث تعمل الجزائر على تحقيق الانتقال الطاقوي تماشيًا مع التحولات الاقتصادية العالمية التي غيرت من مواردها من حيث مصادر الطاقة. يتصدر اليوم محور الانتقال الطاقوي في الجزائر خارطة الطريق التي سطّرها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، فيما يتعلق بالسياسة الطاقوية للبلاد. تحمل هذه الخارطة برنامجًا واعدًا يهدف إلى تثمين مصادر الطاقة والعمل على الاستغلال الأمثل لها، مع التركيز على الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية كحلول مستقبلية.”

وأضاف ربعي: “ولا يمكن أن يمر الحديث عن التحول الطاقوي دون الإشارة إلى مقاربة الشركات الناشئة والمشاريع المبتكرة التي أضفت بعدًا جديدًا على الاقتصاد الجزائري. هذه المبادرات تعتبر تجربة رائدة في الجزائر، تم تكريسها بموجب قرار من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي يقوم على الاهتمام بالحلول الإبداعية والابتكارية وتحرير الطاقات الشبابية لخلق قيمة مضافة.”
وأشار إلى أن “الشركات الناشئة والمشاريع المبتكرة تلعب دورًا محوريًا في المساهمة إلى جانب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات الاقتصادية الكبرى، من خلال تقديم حلول ذكية لرفع أداء ومردودية هذه المؤسسات عبر مشاركتها ضمن سلاسل الإمداد للدورة الإنتاجية. من الفكرة إلى التجسيد، يبقى الشباب الجزائري صانع التغيير وضمان المستقبل.”
كما أوضح ربعي: “كانت لنا عدة لقاءات مع الشباب منذ سنة 2021 حول إنشاء المؤسسات والمقاولاتية والمؤسسات الناشئة، وأخيرًا المقاول الذاتي، مما يعكس التزام الجزائر بدعم الشباب والمشاريع الابتكارية لتحقيق التنمية المستدامة.”
مواجهة التحديات وتعزيز الثقة
أوضح روبعي أن المرحلة السابقة استوجبت إصلاحات جذرية لمواجهة الاهتزازات الخطيرة والممارسات السلبية التي عانت منها الدولة الجزائرية. مشيرًا إلى أن الحكومة كثفت العمل لتعزيز ثقة الشعب في ظل مستجدات دولية متعددة، مثل أزمة كورونا والأزمات الجيوسياسية.
أكد أن التواصل المباشر بين مؤسسة الرئاسة والحكومة مع الفاعلين الاقتصاديين كان له دور كبير في عرض الوضع الاقتصادي والإصلاحات المتخذة لإعادة بعث الاقتصاد الوطني. مشيرًا إلى أن هذا التواصل تجسد في الزيارات الميدانية للولايات والقرارات المتخذة على مستوى مجلس الوزراء.
رفع العراقيل ودعم المؤسسات
من جهة أخرى قال رئيس منظمة التنمية الاقتصادية، إن المرحلة السابقة استوجبت إصلاح وإعادة ترميم الاهتزازات الخطيرة والممارسات السلبية التي عاشتها الدولة الجزائرية، الأمر الذي استدعى تكثيف العمل لتعزيز ثقة الشعب. وقد تم ذلك ضمن سياق تميّز بمستجدّات دولية متعددة انعكست بشكل مباشر على الوضع في العالم والجزائر، على غرار الوضع الصحي الذي عرفه العالم جراء أزمة كورونا التي دامت سنتين، وما تلاها من أزمات وتطورات جيوسياسية، وفي مقدمتها الأزمة الأوكرانية والأزمة الأمنية في دول الجوار ودول الساحل، وعرقلة بعض الدول لمسار البناء الاقتصادي المتميز الذي تبناه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون قبل توليه الحكم.
وأضاف أن منظمته شاركت مع الشركاء الاقتصاديين من خلال لقاءات مباشرة في سنة 2020 لترسيم معالم النموذج الاقتصادي الجديد في لقاء الإنعاش الاقتصادي.
وأشار إلى أن المرحلة الجديدة بدأت بالتواصل المباشر بين مؤسسة الرئاسة والحكومة مع كل الفاعلين في الاقتصاد، خاصة الجلسات مع المنظمات الاقتصادية والولاة والمجتمع المدني ومختلف وسائل الإعلام. وقد تم عرض الوضع الاقتصادي والإصلاحات المتخذة لإعادة بعث الاقتصاد الوطني، وتوجيه رسائل للعالم حول سياسة الجزائر الخارجية ومواقفها الإقليمية والدولية بلغة شفافة وهادفة.
وأوضح أن هذا التواصل المباشر تجسد أيضًا في الزيارات الميدانية للولايات للاطلاع على أوضاع المواطنين ومدى الالتزام ببرنامج الرئيس في الميدان، وتدشين مشاريع مبرمجة في عهده، مثلما تم في ولايات الجلفة، تندوف، خنشلة، وأخيرًا تيزي وزو. وأضاف أن المتابعة الدقيقة للتنمية في كل ولايات الوطن تتم من خلال القرارات المتخذة على مستوى مجلس الوزراء الذي يرأسه رئيس الجمهورية شهريًا.
وأوضح روبعي أن رفع العراقيل عن نحو 900 مؤسسة من خلال مؤسسة وسيط الجمهورية، سمح بخلق حوالي 22 ألف منصب شغل. وأشاد بالعمل الذي قام به وسطاء الجمهورية والمندوبون على مستوى الولايات، حيث كانت القوانين ومقاومة التغيير تعيق عملهم وحرية القرار، إلا أن الملفات التي قدمناها للمستثمرين عولجت وتم التعاون بين كل القطاعات لإعادة بعث هذه المؤسسات.
تطوير قطاع المناجم وتعزيز الاستثمارات الأجنبية
بخصوص قطاع والمناجم، أكد المتحدث أن الجزائر أعادت بعث مشروع منجم الحديد بغار جبيلات، الذي يعد أكبر استثمار منجمي منذ الاستقلال. مشيرًا إلى أن هذا المشروع سيساهم في دفع عجلة التنمية في منطقة الجنوب الكبير. ومشيدا بالنجاح الذي يعرفه مجمع “توسيالي” الجزائر للحديد والصلب، وتمكنه من احتلال الريادة من خلال تصدير منتجاته نحو 24 دولة ويطمح إلى بلوغ 2 مليار دولار من الصادرات.
وأكد أن مشروع منجم الزنك والرصاص بمنطقتي أميزور وتالا حمزة ببجاية سيدخل حيز الإنتاج خلال سنة 2026. مشيرًا إلى أن هذا المشروع سيسهم في تعزيز الإنتاج الوطني من المعادن وتطوير البنية التحتية.
و أشار إلى أن الجزائر أطلقت مشاريع كبرى بالشراكة مع شركات دولية، مثل مشروع الفوسفات المدمج بالشراكة مع شركات صينية ومشروع لإنتاج الحبوب والبقول الجافة بالشراكة مع مجموعة إيطالية. مؤكّدًا أن هذه المشاريع ستساهم في تنويع الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل جديدة.
كما أن صناعة السيارات ، يضيف روبعي، تمثل فرصة استثمارية كبيرة في الجزائر، مشيرًا إلى أن شركات صينية مثل “شيري” و”جيلي” بدأت بتأسيس مصانع لإنتاج سياراتها محليًا. كما أشار إلى أن الجزائر أصبحت من الدول المصدرة لمادة الأسمنت بعد زيادة عدد الوحدات الإنتاجية بها.
تعزيز القطاع الفلاحي والأمن الغذائي
أوضح ذات المتحدث أن السلطات العليا في البلاد اتخذت تدابير لدعم وتشجيع القطاع الفلاحي، مثل إنشاء بنك للبذور وإعطاء دور جديد للمزارع النموذجية. مشيرًا إلى أن هذه التدابير تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وكسب رهان الأمن الغذائي.
وأكد أن مشروع الشراكة بين الصندوق الوطني للاستثمار و شركة بلدنا القطرية لإقامة مشروع متكامل لإنتاج الحليب المجفف، والذي تتجاوز قيمة تجسيده 3.5 مليار دولار، سيمكن الجزائر من توفير 50 بالمائة من الاحتياجات الوطنية من مسحوق الحليب، كما سيساهم في تزويد السوق المحلية باللحوم الحمراء وخلق حوالي 5000 منصب شغل مباشر. مشيرًا إلى أن هذا المشروع يجسد على مساحة إجمالية قدرها 117 ألف هكتار في الجنوب الجزائري.
مشاريع الطاقة الشمسية والسياحة
في سياق آخر، أشار روبعي إلى أن الجزائر تتوفر على واحد من أعلى الحقول الشمسية في العالم، مشيرًا إلى أن البلاد أنجزت محطة هجينة لتوليد الطاقة في حاسي رمل ومزرعة لتوليد طاقة الرياح في أدرار. مؤكّدًا أن الجزائر تعمل على تنفيذ مشاريع طاقوية لإنتاج الكهرباء في عدة ولايات.
وأكد أن الجزائر تواصل دعمها ومرافقتها للمتعاملين الاقتصاديين، خاصة المصدرين الذين يعتبرهم سفراء الاقتصاد الوطني. مشيرًا إلى أن الجزائر بادرت بفتح خطوط بحرية مع دول أفريقية لدعم التبادل التجاري.
سياحيا، أوضح روبعي أن هذا القطاع في الجزائر يمثل فرصة استثمارية كبيرة، مشيرًا إلى أن البلاد لم تستغل بعد كامل مؤهلاتها السياحية. مؤكّدًا أن الاستثمار في هذا القطاع يمثل بديلاً استراتيجيًا للتحرر من الاقتصاد الريعي.
وأشار إلى أن المنظمة الوطنية للتنمية الاقتصادية عقدت لقاءات مع رجال أعمال محليين وأجانب لتقديم ملفات استثمار في القطاع السياحي. مؤكّدًا على أهمية تسهيل العقبات للمستثمرين في هذا القطاع.
قفزات نوعية و مستقبل واعد
و أوضح روبعي أن الجزائر حققت قفزة نوعية في الإنتاج الفلاحي بفضل المشاريع الاستثمارية الكبرى في مجال الفلاحة والزراعة في الجنوب. مشيرًا إلى أن البلاد ستتمكن في السنوات القادمة من الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي وتحقيق الأمن الغذائي.
وأضاف بأن الجزائر حققت قفزة نوعية في الصادرات خارج المحروقات، حيث وصلت إلى 10 مليار دولار. مشيرًا إلى أن الاقتصاد الوطني حقق نسبة نمو تقدر بـ 4.2%، مما يجعل البلاد تتجه نحو بناء اقتصاد يخلق الثروة ويبتعد عن التبعية للمحروقات.
و في الأخير أكد محدثنا أن الانتخابات الرئاسية المقبلة تمثل مرحلة حاسمة في مسار تحقيق السياسة التنموية الشاملة التي يتطلع إليها أبناء وبنات الجزائر. مشيرًا إلى أن ما حققه الرئيس عبد المجيد تبون من إطلاق مشاريع استراتيجية كبرى وإعادة بعث مشاريع مجمدة منذ الثمانينات، يجعل الجزائر تسير بخطى ثابتة نحو بناء اقتصاد قوي.
و اختتم بالتأكيد أن الجزائر تسعى نحو مستقبل واعد من خلال استمرارية بناء الاقتصاد الوطني وبلوغ الأهداف المسطرة في السنوات القادمة. مشددا إلى أهمية مشاركة جميع المواطنين في الانتخابات الرئاسية لضمان تحقيق هذه الأهداف والمشاركة في بناء التنمية المستدامة.